فى ماراثون دراما النصف الأول من رمضان، نجح البعض فى امتلاك عناصر الجاذبية ولفت الأنظار وأصاب الهدف، بينما أخفق آخرون فى تحقيق قفزة جديدة ومكانة متقدمة عما عهده عليه الجمهور، ووقف محلك سر، وهناك أيضا مّن تقهقر خطوات إلى الوراء، وعليه مراجعة نفسه قبل أن يفقد بوصلته نحو الجمهور.
الحقيقة هناك عدة عناصر ساهمت فى تتويج الناجحين بامتياز باحتلال منصة الإبداع ونيل كأس الرضا والإعجاب والتألق، منها أولا ذكاء الاختيار سواء للدور والشخصية أو العمل ككل، وثانيا الاجتهاد واستدعاء المهارات أمام الكاميرا وخلفها، وهنا أقصد نجوم التمثيل والإخراج والتأليف أيضا، وثالثا الإرادة على التغيير والقدرة على التنوع والاختلاف والإبهار فى كل العناصر الفنية التى تشكل البنية السياسية، بدءًا من الحبكة والشخصيات، وكيف أن كل شخصية لها تأثيرها الفريد على تلك الحبكة، والأسلوب والفكر.
من النماذج الناجحة «ولاد الشمس» الذى اعتبره أحد أفضل الأعمال الدرامية التى عُرضت فى رمضان خلال السنوات الأخيرة، كونه عملا استثنائيًا لعدة أسباب، أولها أنه يحمل رؤية درامية مختلفة بطرحه قصة تمس المجتمع من خلال تسليط الضوء عما يجرى فى بعض دور الأيتام، عبر أداء راقٍ وعميق وبمهارة لكل من بطليه أحمد مالك وطه دسوقى وبينهما الحضور القوى للمايسترو محمود حميدة، نعم «مالك» و«دسوقى» ليسا من نجوم الشباك، ويقدمان شخصيتين بعيدتين عنهما تماما، لكنهما أصابا الهدف.
وأعتقد أن مخرج المسلسل محظوظا؛ لأنه عمل مع فريق متميز استوعب رسالة العمل جيدا، كما أن مؤلف العمل مهاب طارق يعد أهم كاتب سيناريو فى دراما رمضان لهذا العام؛ حيث رسم الشخصيات بميزان حساس للغاية، وقدم حوارًا يخلو من الثرثرة والتطويل.
أيضا جاء مسلسل «80 باكو» كعمل درامى كامل الأوصاف، عبر طرحه نماذج واقعية بأجواء شعبية لبشر يبتهج ويتألم فى نفس واحد، وأسلوب تشويق ينطلق من كوافير «لولا»، ويبهرنا بعالمه وشخوصه الإبداعية التى جسدها رحمة، انتصار، دنيا سامى، إنعام سالوسة، محمد لطفى، خالد مُختار رسمت معالمها المؤلفة غادة عبد العال والمخرجة كوثر يونس.
على صعيد الكوميديا، أرى أن مسلسل «أشغال شقة جدا» يكرر نفس النهج الذى اعتمده فى جزئه الأول؛ حيث يعتمد على استقدام عاملة منزلية وخلق مواقف كوميدية حولها، دون طرح فكرة جديدة أو تطوير واضح فى أداء الأبطال، وهذا النوع من الكوميديا قد يستمر لسنوات دون أن يضيف جديدًا.
كما أعتبر أن مسلسل «شهادة معاملة أطفال» يمثل عودة مهمة لمحمد هنيدى، رغم أنه فقد بعض زخمه وعناصر جذبه بمرور الحلقات، وجاء المسلسل دون التوقعات.
هنيدى، رغم موهبته الكبيرة، بحاجة إلى إعادة اكتشاف نفسه وفكره الفنى فى تلك المرحلة من الرحلة، ولديه عناصر الحضور الكامل بما يملكه من رصيد لدى جمهوره.
فى إطار أعمال البطل الشعبى أجد أن مسلسل «فهد البطل» رغم اعتماده على النموذج المعهود والتيمة المتكررة، والتى تجعلنا نستطيع أن نقرأ بسهولة أحداث الحلقات المقبلة، إلا أن أحمد العوضى أظهر نضجًا ملحوظًا فى أدائه مقارنة بأدواره السابقة، وأعتقد أنه استفاد من تجاربه السابقة، فالأداء هنا به مساحات تمثيل قوية، وخاصة فى شخصية الأب «حمدان» أدهشنى أداءه حقا فى أكثر من مشهد، فى صراعه مع أخيه الأكبر «غلاب» ـ أحمد عبدالعزيز ـ حول مسألة من الأحق بالعمودية، حتى وهو جسد قتيل، حيث يرقد فى لحظة استعداد لغسله، بينما أخيه يخاطبه بشماتة بأنه أخذ منه كل شىء، كم كان المشهد رائعا، وكأننا نشاهد مباراة فى الأداء بين جسد متوفٍ وآخر ماتت داخله كل عناصر الرحمة وهو مملوء بشغف الطمع.
ومسلسل «جودر» الذى أعاد أجواء وعوالم ألف ليلة وليلة للشاشة من جديد بحرفية شديدة وبمستوى عالمى، والمخرج إسلام خيرى أبهر الجمهور من خلال الصورة والجرافيك وأدخل الجمهور بسلاسة لعوالم تجمع البشر بالجان.
قدم ياسر جلال شخصية منضبطة وثرية، وحافظ على وتيرة الأداء التمثيلى وكأن العمل لم يغب عاما كاملا؛ حيث قدم شخصية شهريار وجودر بنفس الروح والمشاعر وهو أمر ليس سهلا.
وهنا أشيد بقدرة ياسر على التنوع والبحث عن المختلف والدخول لمناطق جديدة وسط عمل يضم العديد من عناصر الإبهار على مستوى الصوت والصورة والملابس والجرافيكس.
وفى منطقة محايدة بين الدراما والكوميديا أبهرنا مسلسل «النص» وبطله أحمد أمين الذى أبدع بأدائه لشخصية ذات أبعاد متعددة، اللص التائب أو بمعنى أدق المتخلى عن أطماع الذات من أجل هدف أسمى، مقاومة الاحتلال، والتصدى لنهب مقدرات الوطن، بجانب تعاطفه الإنسانى مع البسطاء.
خلال الماراثون الرمضانى برز عدد من المخرجين الموهوبين هذا الموسم، مثل محمد عبد السلام مخرج «فهد البطل»، وشادى عبد السلام مخرج «ولاد الشمس»، وكوثر يونس مخرجة «80 باكو»، وإسلام خيرى مخرج «جودر» وحسام على مخرج «النص»، بالإضافة إلى الموهوب محمد شاكر خضير هذه الأسماء تمثل جيلًا جديدًا قادرًا على تقديم رؤى إخراجية مختلفة فى الدراما العربية.
ومن المؤلفين الموهوبين يتربع على القمة مهاب طارق، يليه الثلاثى عبدالرحمن جاويش وسارة هجرس، وجيه صبرى، ثم محمود حمدان.
فيما أخفقت أعمال فى جذب الجماهير إليها وأخطأت بوصلة نجومها فى اختيار المسار، ربما بمنطق الاستسهال، وحتى الكتابة والأداء خلا من عناصر التميز واكتفى بأجواء مل منها المشاهد سريعا، ولنفس الأسباب فقدت مسلسلات بريقها الفنى فى مقدمتها «العتاولة» و«سيد الناس» و«أش أش».