حوارات الثورة - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:30 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوارات الثورة

نشر فى : الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 14 فبراير 2013 - 8:00 ص

تابعت الحوار الذى دار فى دافوس حيث تجتمع القيادات الاقتصادية الرأسمالية وفى ركابها القيادات السياسية الساعية إلى كسب ودها والتقرب إليها. اعترف أننى كشخص يبحث دائما عن أفكار جديدة وإبداعات على مختلف الأصعدة، خرجت خائب الأمل فى هذه الدورة من دورات دافوس. لم أقرأ عنها ما يجعلنى أصرخ صرخة أهل الغرب واو wow أو ياللروعة والهول، أو ما يدفعنى لطى الصحيفة أو المجلة للحظة أتأمل فيها ما قرأت واستخلص منه عبرا ونماذج تنفعنى فى استقراء ما هو قادم إلينا من خير وفير أو شر عظيم.

 

●●●

 

كان هناك سبب آخر وراء إصرارى على متابعة حوارات دافوس. كنت قد سئمت دوائر الحوار المفرغة الدائرة فى ميادين مصر وصالوناتها ونواديها ومراكز البحث والتعليم فيها. قضينا شهورا ننتقل فيها من حوار إلى آخر حتى تسرب الشك إلى نفسى بأننا ننفذ توجيهات أمريكية وأوروبية تأمرنا أو تتمنى علينا بكل الحب والود أن ننشغل بالحوار وإن كان بدون نتيجة أو هدف. فكرت أنه قد يكون من الضرورى محافظة على سلامة عقلى أن أخرج قليلا إلى العالمية عسانى أجد فى الحوار الدائر هناك ما يشبع حاجتى للمعرفة ويجدد أملى فى المستقبل. لا أنكر أننى كنت قد فقدت الرجاء فى حوارات مصر وبلاد الربيع عموما والخليج أيضا بل وكل البلاد التى لم تعرف الربيع كما عرفناه.

 

نشبت ثورة على الحاضر وعلى الماضى الذى جاء بهذا الحاضر. كان المستقبل هو الهدف، ولكن بعد قليل توقف حوارنا حول المستقبل، وتواصل حول الماضى وما يتصل بالماضى اسما وفكرا وممارسات.. ومن فراش الماضى الوثير خرجت أسئلة وقضايا. لم أسمع جديدا إلا وتعلق بكراسى الحكم. عشنا عامين وكان السؤال الحاكم فى الحوار هو من يحكم؟. تمنيت فى مرحلة لو أن المتحاورين انتقلوا إلى سؤال آخر، وهو لماذا نحكم؟ لم ينتقلوا. والآن، وبعد عامين من الثورة، أستطيع أن أقول إنهم لن يفعلوا لأن الإجابة عن سؤال لماذا نحكم، أو لماذا نريد أن نحكم، ستكشف حقيقة أن أغلب المتحاورين لا يعرفون الإجابة. أقول حتى بعض المرموقين منهم الذين يمكن أن يتوصلوا إلى إجابة معقولة لتعمقهم فى المسائل الإيديولوجية والنظرية وفى العلم والمعرفة فإنهم سيجدون مشقة فى الإجابة عن السؤال الثالث المحتوم وهو، كيف نحكم؟. أكثر المتحاورين ينسون أنهم منذ اليوم الأول للثورة قاموا بتفصيلها على مقاسهم غير مدركين أن الثورة قامت بتفكيك مجتمع يعرفونه ولم تقم حتى يومنا هذا مجتمعا بديلا.

 

●●●

 

قرأت مقالا للكاتب المعروف جيديون راشمان فى صحيفة الفاينانشيال تايمز وصف فيه خطاب رئيس الوزراء المصرى فى دافوس بأنه كان عرضا جيدا لخططه فى التعليم والبنية التحتية، اختار الكاتب أن يعلق بما معناه أن هذا العرض المؤثر والجيد جاء متناسبا تماما مع أجواء دافوس والمشاركين فيه، ولكنه بالتأكيد لا يعكس حقيقة أن البلد التى جاء منها الدكتور هشام قنديل، وهى بعيدة جدا عن دافوس وعن الرجال المعقولين أو العقلاء الموجودين فى دافوس، تموج المظاهرات فى شوارعها وتستعد لإعلان حالة الطوارئ.

 

بمعنى آخر، ما يقال فى دافوس، وفى أمثالها من القمم الاقتصادية والسياسية الغربية، لا علاقة له بما يحدث على أرض الواقع فى مواقع كثيرة من العالم. هناك فى دافوس تجتمع كل عام قائمة متغيرة الأسماء، ولكن ثابتة التمويل والتوجهات، من أجل العمل على استمرار الاحتفاظ بمفاتيح السلطة فى العالم بأسره، والعمل على إحباط وإفشال أفكار «غير معقولة» تحت عناوين الأصولية الإسلامية والقومية والعداء للرأسمالية، تحاول جميعها اختطاف هذه المفاتيح؟ المثير فى الأمر هو أن الحكومات جميعا التى تحضر فى دافوس، تختار مندوبين لها من الشخصيات المقبولة لدى منظمى دافوس والمؤمنين بأن مفاتيح السلطة الحقيقية فى بلادهم ليست فى ايديهم وأن إدعوا أمام شعوبهم بغير ذلك.

 

لذلك أرسلت مصر هشام قنديل، لأنه درس بأمريكا ويرتدى ملابس غربية، ويتحدث بلغة الغربيين، ويعتنق أفكارهم جميعها، أو على الأقل مستعد لتفهمها لنسخها أو تقليدها. يقول راشمان، إن الضيوف فى دافوس يتعجبون حين يلتقون بممثلى هذه الدول، كيف أنهم يعلنون فى الاجتماعات التزامهم بالقيم العالمية التى يؤمن بها الغرب، ولا ينفذونها فى بلادهم. كيف يمكن لأشخاص مثل إيهود باراك وسلام فياض وشيمون بيريز أن يكونوا على هذه الدرجة من «التعقل» أمامنا، وفى بلادهم لا يتوصلون إلى تسوية للصراع العربى الإسرائيلى. أراهم فى دافوس وغيرهم من مواقع النفوذ فى الغرب واثقين من ضرورة الالتزام بالقيم العالمية كالديمقراطية والرأسمالية وحقوق الإنسان وفى بلادهم أراهم «محليين» بل غارقين فى محليتهم تحيط بهم أفكار تكونت فى عصور الخرافة والبداوة والتعصب واسترقاق الرجال والغلمان والنساء. أراهم فى بلادهم غير معقولين.

 

على كل حال، دافوس مثل غيره من المؤسسات العتيقة، ورغم حداثته، يبدو صرحا آيلا للسقوط ربما بسبب فشله فى أن يحقق الاتساق بين ما يتردد فى ردهاته وصالاته وما يمارس فعلا على أرض الواقع. بدأت تظهر على دافوس علامات السقوط عندما أصيب النظام الرأسمالى بضربة موجعة فى 2007 وبعد ذلك فى أزمة اليورو وفى «الثورة» الاجتماعية التى صارت تهدده فى بعض أنحاء الغرب الرأسمالى.

 

●●●

 

فى الغرب وقعت أزمة اقتصادية عنيفة أثرت فى استقرار النظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيه، وانعكست بوضوح على مؤتمرات القمة الاقتصادية العالمية مثل قمة العشرين وعلى عمل المؤسسات الاقتصادية الدولية وعلى مستقبل الاتحاد الأوروبى، وانعكست على دافوس هذا العام. وفى الصين وقع زلزال عام 2008 فى مقاطعة سيشوان أطاح بمناطق شاسعة وقتل أكثر من 80.000 مواطن.

 

وبعد عشرة أيام، أى بعد أن هدأت توابع الزلزال، نشرت صحيفة «نهاية الأسبوع الجنوبي» التى تصدر فى مقاطعة جواندونج مقالا وجهت فيه الشكر للمسئولين فى حكومة سشوان مشيدة « باحترامهم لشعبهم وللعالم كله حين احترمت المبادئ والقيم العالمية». أذكر جيدا أن كثيرين من المتابعين للشأن الديمقراطى وحقوق الإنسان فى الصين اعتبر هذا المقال بمثابة البداية الحقيقة للحوار الدائر فى الصين، وبصعوبة شديدة، حول مفهوم القيم العالمية. أما الحزب والحكومة المركزية فيعتبرانه مؤامرة على نظام الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين وعلى الاشتراكية. يعتبران أيضا أن اعتناق هذا المفهوم يعنى اعتناق فكرة تفوق الغرب على ما عداه وإخضاع الصينيين معنويا وسياسيا واقتصاديا للفكر الغربى والثقافة الغربية.

 

ومازال الحوار دائرا ويتقدم ويكسب أرضا جديدة، لا يتوقف عند أسئلة سقيمة من نوع من فى هؤلاء الرجال يحكم ولماذا يحكم وكيف يحكم. ولا يتوقف عند من نحن، ومن أين جئنا، وماذا فعل وارتدى وأكل الصينيون الأوائل قبل ثلاثة آلاف عام، ولكنه يناقش حلما قوميا رفيعا، هل نستحق أن نكون الدولة الأولى فى ترتيب الدول المتقدمة، أم نرضى بمرتبة الدول النامية.

 

●●●

 

أزمة فى الغرب تدفع الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية لإعادة ترتيب أولوياتها ومستقبلها، وزلزال فى الصين دفع شعب الصين إلى الانتقال من المحلية إلى العالمية فى التفكير وتحقيق الحلم، وثورة فى العالم العربى ما تزال حبيسة حوارات حول موضوعات محلية أكثرها تافه بمعايير التاريخ وبعضها مثير للفتن والضغائن والتطرف وأقلها يمس الجوهر ويغوص فى محاولة فهم طبيعة المرحلة وتعقيدات الحالة الثورية.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي