التطبيع.. هل يتذكر أحد؟ - وائل قنديل - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 4:46 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التطبيع.. هل يتذكر أحد؟

نشر فى : السبت 14 مارس 2009 - 7:23 م | آخر تحديث : السبت 14 مارس 2009 - 7:23 م

 
القدس عاصمة للثقافة العربية، عنوان جميل ورائع وبراق للغاية، لكن هل يكفى البريق مبررا لأن يتورط هذا المثقف أو ذاك فى الذهاب إلى القدس بحجة دعمها كعاصمة للثقافة؟

أخشى أن يكون البعض قد اعتبر صمت دوى المدافع فى معارك التطبيع فرصة للسفر إلى إسرائيل دون أن يقول له أحد: قف، أو أن يكون انشغال النقابات المهنية بشئونها الداخلية من قبيل البدل النقدى فى الصحفيين، أو معارك المقاعد فى غيرها من النقابات قد دفع بمعركة التطبيع إلى خلفية المسرح، وبالتالى فالفرصة سانحة لمن يريد السفر دون أن يفتح أحد فمه.

مناسبة الحديث أن بعضا من المثقفين المصريين بدأوا حزم حقائبهم استعدادا للسفر إلى إسرائيل تحت يافطة الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة، وها هى وزيرة الثقافة الفلسطينية تفتتح الحملة بدعوة شيخ الأزهر والبابا شنودة بالذهاب إلى القدس رافعة شعار «لا تتركونا وحدنا».

لا نشكك فى مقاصد أحد، ولا نفتش داخل النيات، فقط نذكّر الذين يحلمون بالسفر بمصير كل من فعلوها قبلهم، الأحياء منهم والأموات، كلهم بلا استثناء سقطوا كأوراق الخريف من الذاكرة الوطنية، وانزووا فى أركان النسيان.

وهم الذين ملأوا الدنيا كلاما كبيرا وفاخرا من نوعية الاقتحام كى لا ينفرد العدو بإخواننا المحاصرين بالاحتلال والاستبعاد، أو من نوعية محاولة فهم الآخر ومعرفة فيما يفكر وكيف يفكر، إلى آخر هذه الحجج التى ثبت أنها لا تساوى الحبر الذى كتبت به.

بعضهم كان بريئا للغاية، ومعظمهم كانت وجهتهم جوائز عالمية لا تأتى إلا عبر تلك الطريق الوعرة، وقد ربحوها لكنهم خسروا أنفسهم، وفقدوا الشارع، كما فقدوا النخبة، وانتهوا إلى مجرد أسماء باهتة وشاحبة لا يتذكرها أحد.

وأذكر جيدا عندما هبت رياح أوسلو وما تبعها من «أوسلوات صغيرة» انتهت إلى اتفاقات بدت لامعة للغاية أن توهم بعض رموز معسكر التطبيع أن الأمور قد حسمت لصالحهم، وتصوروا أن معارضى التطبيع الثقافى باتوا أشبه بكائنات منقرضة لن يكون لها وجود إلا داخل فاترينات زجاجية ملونة كأشياء متحفية من الماضى، وأن قطار السلام (الزائف) انطلق ولن يوقفه أحد.

غير أنه ثبت للجميع أن «المتغطى بإسرائيل عريان» فهى نفسها أول من فضحت المهرولين إليها وتركتهم عرايا لا يجرؤ أحدهم أن يجلس على مقهى شعبى بالقاهرة، ومن ثم أمضوا ما بقى لهم من العمر فى معتقل موحش اختاروه بأنفسهم.








وائل قنديل كاتب صحفي