ضَعْ صورة المشهد فى حىّ كرم الزيتون فى حمص (لا مشهد إلاه) وضَعْ إلى جانبها صورة المشهد من حىّ تل الزعتر فى مخيم جباليا شمالى قطاع غزة (لا مشهد إلاه).
اصمتْ.
اقرأ محمود درويش الذى مرّت ذكرى ميلاده أمس فى قصيدة «أنا يوسف، يا أبى»:
«واتّهموا الذئبَ، والذئبُ أرحم من إخوتى، يا أبتى»
لولا واجب الكتابة الاسبوعية الواجب تجاه القراء لما احتجت أكثر من هذا لليوم.
●●●
الباقى... سياسة.
وفى السياسة، عندما لا تملك سلطة رسمية من موقف أمام مجزرة قضى فيها حوالى ٤٧ امرأة وطفلا «مذبوحين أو مطعونين» غير الاتهام المتكرر منذ اثنى عشر شهرا لـ«المجموعات الارهابية المسلحة» والاتهام المستجدّ للسعودية وقطر بتمويل تلك المجموعات وتسليحها، فهى تعلن أنها قد استقالت من كل وظيفة من الوظائف المتعارف عليها للحكم والسلطة والدولة. وعندما ترفض السلطات التحقيق فى مجزرة بحق مدنيين، فتستبقه بتعيين مرتكبين مجهولين وتوحى بأنها تقتصّ منهم على طريقتها، فإنها تتخلى عن أى حق فى ادعاء المسئولية عن وطن وشعب والصالح العام والحق العام والخير العام ناهيك عن المال العام. فما عليها، والحال هذه، الا التنحى، لأنها لم تفقد المصداقية ولا الشرعية فقط، فقدت الوظيفة.
فى وقت سابق كان رئيس الدولة يعترف بوجود «أخطاء» ترتكبها قوات الامن، وكان يتذرّع بصعوبة العثور على أدلّة تُـفضى إلى مرتكبى الجرائم من تلك القوات ومن «المجموعات الارهابية المسلحة». اما الآن فيبلغنا وزير إعلامه بأن النظام قد «اعتاد على هذه المجازر».
لا عجب ان يكون حكم من هذا النوع قد أسلس قياده للخارج لكثرة ما «خَوْرَج» قضاياه ومشكلاته. بعد سنة على انطلاقة الثورة، يمكن القول ان القضية السورية باتت إلى أبعد حد بأيد عربية واقليمية ودولية وأممية. ولكن يصعب القول ان تلك الايدى أمينة أو كفوءة. ها هو وزير خارجية فرنسا يعترف بعجز العالم عن فعل شىء أمام القتل اليومى فى سوريا. واما الامين العام للامم المتحدة فانه يدين «القوة المفرطة» التى يستخدمها النظام، على اعتبار ان «العنف» أو «القتل» لم يدخلا قاموس المؤسسة الاممية بعد. ويتنقل مبعوث تلك المؤسسة الاممية كوفى أنان بين العواصم شاكيا صعوبة مهمته، لدى «عثمانيين جدد» لم يعد لهم حول ولا قوة، لفرط ما هددوا وتوعدوا، منتظرا الاتفاق الروسى الامريكى لانجاحها. فى الانتظار، تلقاه عند الرئيس الاسد يناقش مبادرة من خمس نقاط اتفق عليها وزير الخارجية الروسى لافروف مع وزراء الخارجية العرب فى القاهرة. وتسمع من دمشق الاعلان عن موافقتها على مبادرة من ست نقاط تقدمت بها... الصين.
والعالم كله يبحث فى وقف اطلاق النار. اقتضى الامر سنة لافتتاح البحث. مع ان لافروف يعترف بأن النظام السورى يتحمل «مسئولية كبيرة عن الوضع الحالى»، الا انه يرفض ان يطالب الطرف الذى «يتحمل مسئولية كبيرة» بأن يبادر إلى وقف إطلاق النار. بل ان وزير خارجية روسيا لا يتردد فى تحذير دول العالم من «التلاعب» بقرارات مجلس الامن، وهى القرارات التى لم تصدر لأنه مارس ضدها حق النقض!
●●●
وافقت دمشق على وقف اطلاق النار شرط قبول المعارضة بالحوار. على غرابة الشرط، وعدم التوازى بين الشرط والمشروط، ها هى السلطة تمدّ يدها إلى «الآخر»، وتعلن استعدادها لـ«الحوار مع الآخر» وهو مبدأ سامٍ من مبادئ الفكر الليبرالى وأدبيات «فض النزاعات» ومنه تدرّج المفهوم إلى محطات التلفزة النفطوغازية وبرامج «الرأى والرأى الآخر».
ولكن لكى يتم «الحوار مع الآخر» لا بد أن تعترف «الانا» السلطوية بذاك «الآخر» وان يبدى من ثم الرغبة فى الحوار معه. ربما فات كاتب هذه السطور اعلانات رسمية سورية متكررة عن اعتراف دمشق بالمجلس الوطنى السورى أو بهيئة التنسيق، ولو بوصفهما مجرد طرفين من اطراف المعارضة. ولكن لنفترض ان المعارضة، بأطيافها المختلفة، وافقت على «الحوار»، علامَ سوف يتم الحوار؟ على اصلاحات تكرّست فى القوانين وفى الدستور وجرت بناء عليها انتخابات بلدية وسوف تجرى عليها انتخابات نيابية قريبا؟ أم تراه سوف يدور مدار تشكيل حكومة مثلثة الاطراف تشارك فيها «معارضة الداخل»؟
وما دامت سوريا فى عهدة كل هذه الايدى، لعلنا نتقدم باقتراح متواضع للملك السعودى، الحريص على الانتقال الديمقراطى فى سوريا، بأن يتبنى دستورا مثل الدستور السورى الحالى، يقرر أن «الفقه الاسلامى مصدر رئيسى للتشريع» ويتضمّن الصلاحيات شبه المطلقة التى يتمتع بها رئيس الدولة السورى على ان يتسلّم الحاكم السعودى منصبه بناء على انتخابات شعبية مباشرة وان يتولى الرئاسة للمهلة إياها المحددة للرئيس السورى.
يعلن المرشد العام للجمهورية الاسلامية الايرانية ان لا حل للازمة السورية الا بالاصلاحات التى يعرضها النظام. على نهج «من ساواك بنفسه ما ظلمك»، يمكننا ان نقترح «الاصلاحات» ذاتها على النظام الايرانى. منها ان يتمتع رئيس الجمهورية، السيد احمدى نجاد، ومن سوف يخلفه، بالصلاحيات التى يمنحها الدستور السورى للرئيس بشار الاسد. نقصد ان يعيّن بمرسوم اعضاء مجلس الشورى بعد انتخابهم من قبل الشعب، وان يمارس التشريع فى وجود أو غياب ذلك المجلس، وان يجمع إلى صفة القائد العام للقوات المسلحة وحدانية السلطة التنفيذية، وان يعيّن الوزراء ورئيسهم ويطالب كلا منهم بتقارير عن نشاطه، ويصرفهم أفرادا ورئيسا وجماعة، كل هذا فى ظل إعفائه من تقديم أى حساب عن اعماله لاحد أو خضوعه لمساءلة أو محاسبة. وهى اصلاحات لا يخفى انها تعنى تنازل المرشد العام للثورة لرئيس الجمهورية عن معظم صلاحياته!
●●●
بعد سنة على انطلاقة الثورة، لايزال وزير الخارجية وليد المعلّم مطمئنا إلى أن ما من احد يتدخل فى الشئون الداخلية لسوريا!
وبعد سنة على انطلاقة الثورة، لا يبدو ان احدا فى الحكم بسوريا اكتشف ان سياسة القتل ــ من درعا إلى بابا عمرو وكرم الزيتون ــ لم تفلح فى ترويع المحتجين ولا فى ثنيهم عن التظاهر السلمى المتصاعد الوتيرة والانتشار بل انها زادتهم تصميما على تغيير النظام. النجاح الوحيد هنا هو رفع منسوب الدم ودفع المزيد من المدنيين إلى حمل السلاح.
وثمة من لا يزال ينتظر ساعة «الحسم» العسكرى.
وتصوّروا ان كل هذه «القصة» بدأت ببضعة آلاف من المتظاهرين طالبوا برفع حالة الطوارئ!