نساء مهيمنات - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نساء مهيمنات

نشر فى : الأربعاء 14 يوليه 2010 - 9:43 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 يوليه 2010 - 9:43 ص

 دعونا نتماشى مع اتجاهات التطور التى تنبئ عن زيادة كبيرة فى الدور، الذى تلعبه النساء فى حياة الأمم. تقول الإحصاءات الحديثة إن عدد المديرات فى المؤسسات الأمريكية تجاوز نسبة الخمسين بالمائة، وأن كل رجلين يتخرجان فى الجامعات تتخرج معهما ثلاث نساء، بل إن الصين الدولة الصاعدة حاليا بين الدول حديثة النمو، تحظى بعدد من النساء يهيمن على قطاع الأعمال يصل إلى نحو 40%. وفى التعليم العالى فى بريطانيا يشكلن الأغلبية، كما هو الحال فى بعض المعاهد العليا بمصر وفى معظم دول العالم.

تشير المؤشرات أيضا إلى أن مهنة الطب فى بريطانيا كادت تستحق لقب مهنة النساء بامتياز، وتتوقع مصادر نقابية أن تحتل النساء الأغلبية المطلقة بين الأطباء فى عام 2017. وفى الهند تتفوق النساء، وبخاصة فى المجتمعات الفقيرة، على الرجال فى سرعة تعلم اللغة الانجليزية وإتقانها. والآن نعرف أن نسبة بطالة الرجال فى معظم المجتمعات أعلى من نسبة البطالة بين النساء وبخاصة بين خريجى الجامعات.

صعود المرأة مستمر ولا توقف فيه أو رجعة. كتبت هنا روزين مقالا نشرته مجلة أطلانطيك الأمريكية فى آخر أعدادها أثار، كما أثارت التعليقات عليه، أسئلة وغضبا وسخرية وانبهارا. وأتصور أنه أثار خيال قراء عديدين، وخيالى.

صدقت أن صعود دور المرأة مسألة غير قابلة للجدل، وتخيلت شكل مجتمع تهيمن عليه النساء. ثم جمح خيالى بعيدا فراح يرسم خريطة جديدة لمؤسسات الدولة «النسوية»، ويضع مبادئ لدستور جديد ومنظومة كاملة للقوانين واللوائح.

قرأت لمن يقول، أو تقول، إن المرأة وقوى الطبيعة يستعدان منذ عقود للانتقام للنساء لقرون من الظلم على أيدى الرجال. تعرضت المرأة لقهر الذكور وقسوتهم، ولم تثر أو تعلن الحرب والقطيعة. يردد غلاة النسوية أن المرأة خضعت فى انتظار لحظة فى التاريخ يفقد الرجل عندها أسباب قوته لتقفز عليه وتنتقم.
حلت اللحظة. عشنا عصورا هيمن فيها الرجل ولم يكن مناسبا أو فى مصلحة المرأة منازلته خلالها. هيمن فى عصور الصناعة والزراعة وصيد الوحوش وقسوة الطبيعة. هى العصور التى قدمت للرجل كل أسباب قوته وتفوقه على المرأة.

ثم دخلت البشرية عصرا جديدا مختلفا كل الاختلاف: عصر ما بعد الصناعة، حيث لا دور كبيرا مطلوبا من الرجل. صارت معظم المهن ناعمة وسهلة لا حاجة ماسة فيها إلى العضلات.

يبقى للرجال بعض المهن الشاقة، لكنها ثانوية فى غالب الأحوال مثل التعدين وجارٍ على كل حال الاستغناء عنها.

نذكر أنهم فى قديم الأزمنة كانوا يدافعون عن حق الرجل فرض السيطرة على المرأة بالقول إن الطبيعة لا تعرف العدالة فى توزيع القوة ولا تعترف بها. لم تكن هناك قبل مائة ألف عام عدالة حين كان الرجل مهيمنا لأنه الأسرع فى الركض، أسرع من معظم الحيوانات ومن النساء، فى وقت كانت السرعة شرط البقاء.

ومع ذلك أثبتت المرأة امتلاكها قدرة هائلة على البقاء حين عوضت نقص سرعتها فى الركض بسرعتها الفائقة فى البديهة. استخدمت البديهة التى أثبت التاريخ أنها عند المرأة أسرع من بديهة الرجل.

مقابل هذه التوقعات عن قرب بزوغ مرحلة تهيمن فيها المرأة ينشط الآن تيار ذكورى يسعى لوقف «تعاظم» دور المرأة. يقولون إن للرجل حقوقا مهدورة منذ القدم. 98% من مجمل القتلى فى الحروب كانوا دائما من الرجال. الكناسون عبر التاريخ رجال. كل الأعمال التى تحتاج لنقل أحمال ثقيلة وتنكسر بسببها ظهور وتنقطع سلاسل فقرية يقوم بها الرجال.

الرجال هم آخر من يغادر السفن المهددة بالغرق. 93% من أطفال الشوارع صبيان طردهم أهاليهم، وهؤلاء يشبهون رجالا منحرفين. 90% من ضحايا حوادث العمل من الرجال و40% من ضحايا العنف المنزلى رجال، وهو ما أكدته مؤخرا الدراسة التى ناقشت موضوع العنف المنزلى فى مصر.
خرج رجال فى الآونة الأخيرة ليشكلوا جمعيات أهلية للدفاع عن حقوقهم وحماية مكتسباتهم «التاريخية»، إحداها تشكلت بعنوان «جمعية دعم حقوق الآباء» وأخرى تحت اسم «جمعية إعادة كتابة دور المرأة فى التاريخ»، يزعم هؤلاء «الرجال الجدد» أن المرأة لم تضف شيئا إلى التاريخ الإنسانى.

يقولون إنه لم يأت منهن من هى على مستوى أرسطو وأفلاطون وأينشتين. يرفضون الروايات عن مجتمعات النساء المحاربات فى الأمازون، التى يقال إن النساء حكمن فيها وتسلطن واستخدمن الرجال عبيدا وخدما.

الطرفان يبالغان. يبالغ القائلون بأن «الرجال الجدد» أعداء للنساء، ويبالغ القائلون بأن النساء أصبحن مهيمنات على حياة المجتمعات. الصحيح أنهن اقتربن من وضع الهيمنة فى مجتمعات غير قليلة العدد. ويبالغ من يعمم ويقول إن عصور ما بعد الصناعة لن تكون فى حاجة إلى رجال عاملين، كما كان الحال فى عصور الصناعة وما قبلها ويغالى فى المبالغة من يقول إنه فى عصر أطفال الأنابيب لن تكون المرأة فى حاجة ماسة إلى رجال مقيمين.

الكل يبالغ ولكن لا دخان بدون نار.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي