قبل أن يغادر نتنياهو إلى واشنطن دعاه الإعلام الإسرائيلى إلى أن يُبرز فى لقائه مع أوباما مدى أهمية إسرائيل الإستراتيجية للولايات المتحدة. ونصحت صحيفة جيروساليم بوست قادة إسرائيل عامة بأن يذكّروا أمريكا باستمرار بالخدمات الجليلة التى قدمتها إسرائيل لها على امتداد العقود الماضية، وبصفة خاصة نجاح إسرائيل فى تدمير المفاعل النووى العراقى عام 1981، «الأمر الذى مهد الطريق للولايات المتحدة كى تهاجم العراق عام 1991 دون الخشية من أى رد فعل نووى عراقى». كما أوصتهم الصحيفة بتذكير الأمريكان بنجاح إسرائيل فى إجهاض المشروع النووى السورى عام 2007.
أما أسباب حرص إسرائيل حاليا على تسويق نفسها فى أعين الأمريكيين على اعتبار أنها الحامية للمصالح الأمريكية فى المنطقة، فترجع إلى وجود شعور متنامٍ داخل الولايات المتحدة بأن بقاء أزمة الشرق الأوسط دون حل، وما تُقدم عليه إسرائيل من مغامرات غير محسوبة تارة فى لبنان وتارة أخرى فى غزة، يغذى فى الواقع من موجة الكراهية للولايات المتحدة على امتداد الشرق الأوسط الكبير. وأدى ذلك للاعتقاد بأن إسرائيل قد تحولت إلى عبء ثقيل تحمله الولايات المتحدة على كاهلها.
وجاءت الأزمة الأخيرة ــ والتى ما زالت تتفاعل ــ بين تركيا وإسرائيل بسبب القرصنة الإسرائيلية فى عرض البحر لتؤكد مخاطر التصرفات الإسرائيلية التى وضعت الولايات المتحدة فى موضع لا تُحسد عليه بين حليفين لها فى المنطقة.
ويبدو أن نتنياهو قد التزم حرفيا بالنصائح السابقة، فإذ هو يردد على مسامع الرئيس الأمريكى وأمام أجهزة الإعلام بعد اجتماع 6 يوليو الحالى، أهمية الروابط التى تجمع بين إسرائيل والولايات المتحدة وحيوية تعاونهما المشترك فى ميادين الأمن وتبادل المعلومات. (بل أن نتنياهو فى لقاء لاحق بالجالية اليهودية فى أمريكا أكد أنه ليس للولايات المتحدة من صديق أو حليف حقيقى آخر فى المنطقة أفضل من إسرائيل).
المهم أن الرئيس أوباما، ولحاجة فى نفس يعقوب، بادل ضيفه الإسرائيلى ذلك التقدير الكبير للدور الإسرائيلى فى خدمة المصالح الإستراتيجية المشتركة للبلدين وأهمية التوسع فى مجالات التعاون العسكرى من أجل احتفاظ إسرائيل بتفوقها العسكرى النوعى. وعرّج على مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووى مؤكدا احتياجات إسرائيل الأمنية، والتى تعد فريدة من نوعها، بسبب ما تتعرض له من تهديدات. وقطع التزاما صارما على بلاده بألا تطلب من إسرائيل فى أى وقت من الأوقات التضحية بمصالحها الأمنية.
أما الموضوع المفضل لدى الجانبين والذى أفاضا فى الحديث عنه أمام الصحفيين فكان إيران، حيث أوسعاها تهديدا ووعيدا كى تكف عن تهديد جيرانها. وزايد نتنياهو على مضيفه الأمريكى بالقول بأن حصول إيران على السلاح النووى يعنى أن المخاطر ستعم الجميع. ولتأكيد إخلاصه فى خدمة الولايات المتحدة دعا الدول الأخرى كى تحذو حذوها وتفرض أقصى العقوبات على إيران وبصفة خاصة فى مجال الطاقة!
وعندما جاء الدور على موضوع السلام فى الشرق الأوسط، كان الهم الأكبر للرئيسين إقناع الجانب الفلسطينى بالانتقال على الفور من المفاوضات غير المباشرة إلى المباشرة. بل إن أوباما طلب من السلطة الفلسطينية أن تتعجل الأمر وتسارع إلى الدخول فى المفاوضات المباشرة قبل أن تنقضى فترة تجميد الاستيطان بحلول شهر سبتمبر المقبل.
وطمأن نتنياهو الجميع فى تصريح لاحق، بأنه متى بدأت المفاوضات المباشرة فإن قضية المستوطنات ستكون القضية الأولى على جدول الأعمال. إذن فقد وضع أوباما ونتنياهو معا العربة أمام الحصان، فبدلا من أن يكون تمديد وقف الاستيطان منطلقا وحافزا للدخول فى المفاوضات المباشرة، انقلب الحال رأسا على عقب وأصبح التفاوض المباشر هو المنطلق لمعالجة قضية الاستيطان.
امتدح أوباما سماح إسرائيل بدخول المزيد من السلع إلى غزة، وتحدث عن إجراءات لبناء الثقة من قبل الطرفين. وفى الوقت الذى أكد تمسكه بحل الدولتين حرص على مطالبة الدول العربية بدعم عملية السلام، وكأن الدول العربية لا تدعم بالفعل العملية، ولم يقدم العاهل السعودى مبادرة سلام تبنتها الدول العربية منذ عام 2002.
والغريب أنه لم يكن قد مضى أكثر من أسبوعين على لقاء جَمَعَ أوباما بخادم الحرمين الشريفين فى البيت الأبيض أيضا ويومها شدد أوباما على أهمية السير قدما من أجل إقامة وطن فلسطينى جنبا إلى جنب مع إسرائيل.
أما عن كشف حساب المكاسب والخسائر، فلا شك أن نتنياهو قد حقق الكثير من خلال ما عبر عنه أوباما فى تصريحاته، بالإضافة إلى رد الاعتبار إليه بعد المعاملة الفظة التى لاقاها من الرئيس الأمريكى أثناء اجتماعهما قبل الأخير الذى جرى من وراء حجاب. وبالنسبة لاوباما فيبدو أن الاجتماع لم يحقق له الكثير، اللهم إلا إذا كان اللقاء جاء فى سياق حملة علاقات عامة مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفى فى الولايات المتحدة.
أيا كان الأمر فإن الاجتماع وما صدر عقبه من تصريحات قد جاء محبطا للرأى العام الفلسطينى والعربى. وربما تحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم تفسيرات وإيضاحات للجانب العربى حول حقيقة ما جرى فى الاجتماع، وألا نترك الأمر لإسرائيل لتسريب معلومات قد تكون مغلوطة تستهدف الوقيعة بين الدول العربية والولايات المتحدة.
كانت اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية قد أعطت الضوء الأخضر فى شهر مارس لبدء المفاوضات غير المباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولكنها وضعت سقفا زمنيا لا تتعداه هذه المفاوضات وهو أربعة أشهر. وفى الأول من مايو أكدت اللجنة موقفها السابق واشترطت عدم الانتقال بصفة تلقائية إلى المفاوضات المباشرة قبل حدوث تقدم ملموس فى موقف إسرائيل.
غير أن ما حدث منذ ذلك التاريخ قد جاء على العكس تماما، فبالإضافة إلى الاعتداء على قافلة الحرية فى عرض البحر يوم 31 مايو، أقر عمدة القدس الإسرائيلى هدم 22 منزلا فلسطينيا بحى سلوان بضواحى القدس الشرقية، وكُشف النقاب عن تخطيط هيكلى لمدينة القدس بشقيها تتضمن توسيع الأحياء اليهودية فى القدس الشرقية على أملاك الفلسطينيين هناك، كما تم التصديق على بناء 1400 غرفة فندقية بجوار جبل المكبّر.
هذا بالإضافة إلى قرار إبعاد أربعة من أعضاء المجلس التشريعى المقدسيين إلى خارج دائرتهم الانتخابية. وفوق كل ذلك لم تتلق السلطة الفلسطينية أى ردود من إسرائيل على مقترحات محددة قدمتها لإسرائيل عبر الوسيط الأمريكى وتتعلق بالقضايا الأساسية الخاصة بالحدود والأمن.
ستتعرض السلطة الفلسطينية ولا شك لضغوط هائلة لدفعها للانتقال للمفاوضات المباشرة، غير أنه فى ضوء كل ما تقدم ومع وجود توجه إسرائيلى نحو استئناف النشاط الاستيطانى بعد سبتمبر، فلا يمكن لأى منصف أن يوجه اللوم للسلطة الفلسطينية إذا ما تمسكت بموقفها برفض الاستجابة لمثل هذه الضغوط.