وصل الانفلات الأمنى ليل 9-10 سبتمبر 2011 أمام وزارة الداخلية ومديرية أمن الجيزة والسفارة الإسرائيلية إلى وضع خطير ينبئ بمخاطر كثيرة قد تحول ثورتنا السلمية إلى ثورة غير سلمية، وقد تعرقل ــ لا قدر الله ــ مسار الانتقال إلى الديمقراطية.لابد من إدراك أن الشباب والجماهير أدت دورها التاريخى وصنعت الثورة وغيرت النظام، أما مرحلة البناء فتحتاج إلى قيادات ونخب واعية، من الشباب والشيوخ، ترتقى إلى مستوى المسئولية التاريخية، وتمتلك القدرة على ترجمة مطالب الثورة ومصالح الثوار وإنجازها عن طريق بناء نظام سياسى ديمقراطى بآليات ومؤسسات تمكن الجماهير من المشاركة والمساهمة فى إنجاز مطالبها المشروعة.
ولهذا فمن الخطورة استمرار المجلس العسكرى فى تحمل مسئولية إدارة البلاد بمفرده فى ظل هذه الظروف، وخاصة مع بدء توجيه الانتقادات المباشرة للمجلس وما قد يترتب على هذا من تشتيت جهود الجيش وانشغاله بأمور كثيرة فى وقت واحد. لقد أكملت القوات المسلحة تاريخها المشرف وأدت دورا بطوليا فى الثورة المصرية وحمت الجماهير وتحملت أكثر مما ينبغى عليها أن تتحمله، ولهذا فقد جاء الوقت لتخفيف العبء عليها. ومن الأمور التى قد تساعد فى الخروج من الأزمات المتتالية التفكير فى إنشاء «مجلس وطنى انتقالى»، يضم عددا من الشخصيات لن يتجاوز 40 أو 50 شخصية من كل رؤساء القوى السياسية والائتلافات القائمة حاليا والشخصيات العامة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، على أن ينتخب المجلس أمينا عاما ونائبين ومتحدثا إعلاميا، ويتولى مهمة التشاور والحوار مع المجلس العسكرى وإعادة مناقشة جميع الأمور محل الاختلاف فى مسار المرحلة الانتقالية للخروج بحلول توافقية يناقشها الجميع ويتوافقون عليها ويتحملون جميعا مسئوليتها. وربما يكون من الضرورى اعتماد قاعدة الحصول على موافقة ثلثى الأعضاء إذا ما اختلفت الآراء حول مسألة ما.
وسيكون أمام المجلس المقترح ثلاث مهام عاجلة: الأولى: إعادة النظر فى مضامين جميع القوانين والمراسيم التى صدرت منذ الاستفتاء فى شأن المسار السياسى، بدءا من الإعلان الدستورى وحتى ترسيم الدوائر، ووضع جدول زمنى محدد بخطوات محددة، على أن تصدر هذه الأمور بعد تشاور وتوافق أعضاء المجلس جميعا. هذا الأمر سيساعد فى تخفيف حدة رفض الكثيرين لمعظم القوانين والمراسيم التى صدرت حتى اليوم، والأهم أنه سيسهم فى معالجة الاستقطاب السياسى ووقف تصدير خلافات النخب إلى الشارع قبل التوافق عليها على طاولة التفاوض، وذلك لأن جميع القوى الرئيسية ستكون جزءا من عملية صنع القرارات.
الثانية: وضع خطة حاسمة لمواجهة الانفلات الأمنى والبلطجة ومواجهة فلول النظام البائد وتطهير مؤسسات الدولة منهم وإصدار قانون الغدر لمنع من أفسد الحياة السياسية قبل 25 يناير، وإجراء كل الخطوات اللازمة لضمان تنفيذ هذه الأمور كلها. وهذا من شأنه إعادة الأمن إلى الشارع وطمأنة الناس، وتهيئة الأجواء أمام الانتخابات، وتهدئة المخاوف من عودة الحزب الحاكم سابقا بواجهات جديدة.
والثالثة: طرح رؤية لمعالجة المطالب الاقتصادية والاجتماعية المشروعة، وتحديد جدول زمنى للأمور الممكن إنجازها فورا، وتلك التى يمكن إنجازها على المديين المتوسط والطويل، مع مصارحة الشعب بكل هذه الخطوات بوضوح وشفافية وحسم. وهذا من شأنه معالجة خطر متزايد ناتج عن تصور قطاعات متزايدة من الناس أن بإمكانهم النزول فى الشارع متى شاءوا للحصول على ما يريدون. يجب أن تفهم الجماهير بأن بناء دولة المؤسسات الديمقراطية هى الخطوة الأولى لخلق القنوات الشرعية التى يمكن من خلالها التعبير عن مطالبهم والعمل على إنجازها، ولوضع البلاد على بداية الطريق الذى يمكن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا من القيام بدورها فى تلبية كل المطالب الاقتصادية والاجتماعية المشروعة.