لو أعملت منطق فتش عن المستفيد ستكتشف أن الحصاد الكارثى لموقعة ماسبيرو يصب فى مصلحة الفلول وبقايا نظام مبارك.
ولنرجع قليلا إلى الوراء ونتوقف عند اللقطة الأخيرة قبيل اندلاع المجزرة: كانت وثائق الانسحاب والإدانة للتراجع عما تم الاتفاق عليه بين الأحزاب والمجلس العسكرى تشغل الجميع، بعد أن مر أسبوع المهلة التى طلبها «العسكرى» لكى يفى بما تعهد به فى الاجتماع.
وبالطبع كانت على رأس هذه التعهدات نقطتان هما محل إجماع كل من يريد لهذه الثورة أن تنتصر وتواصل طريقها، النقطة الأولى هى الإسراع بإصدار تشريع يمنع الذين أفسدوا الحياة السياسية، الذين هم قيادات ونواب الحزب المنحل، من ممارسة الحياة السياسية.. أما النقطة الثانية فكانت الإعلان رسميا عن إنهاء حالة الطوارئ.
وبينما كان موعد فتح الباب لتقديم أوراق الترشيح للانتخابات يداهم الجميع، وفيما كانت القوى الوطنية المحترمة تضغط لكى يفى المجلس العسكرى بما تعهد به قبل فتح باب التقديم لمنع فسدة السياسة من السطو على المقاعد الأولى فى قطار برلمان يفترض أنه برلمان الثورة.. فى تلك اللحظة اندلع حريق ماسبيرو ليحرق كل الملفات ويخنق دخانه أهم مطلبين للثورة المصرية، وهما منع الفلول وإنهاء الطوارئ.
ومنذ الأحد الأسود وحتى أمس لم يأت أحد على ذكر التشريع الخاص بالعزل أو المنع أو الغدر، بل حدث ما هو أعجب من ذلك حين ظهر الفلول فى مسوح الوعاظ الأخيار ليعرضوا على القوى السياسية الأخرى المنتمية حقا إلى الثورة مبادرات لطيفة بخصوص وحدة الصف ولم الشمل وكأنه لم تقم فى مصر ثورة كان أحد أهم أسبابها انتخابات برلمان 2010 المزورة، على نحو يجعل إبليس شخصيا يفكر فى الاعتزال مكتفيا بالفرجة والتعلم من هؤلاء الذين صنعوا وشاركوا أو تواطأوا أو استفادوا من كل هذا الفساد السياسى.
وبالأمس فقط تذكرت مصر مطلب العزل السياسى لمن أفسدوا، لكن بعد أن هجم الفلول بضراوة على لجان الترشح للانتخابات، بعد أن وفرت لهم المرحلة الانتقالية الكسولة الرخوة المتراخية جوا مثاليا لكى يحتشدوا وينظموا صفوفهم، فيما كان هناك من تولى نيابة عنهم مهمة إرباك قوى الثورة وإنهاكها وإجهادها واستنزافها فى مشاكل ومعارك تم استدراجها إليها بمنتهى المهارة، حتى أفقنا على وضع بائس يساوى بين الثوار والفلول ويقف محايدا بين الثورة والثورة المضادة، ويخترع للعدل مفهوما جديدا يقوم على محبة الثورة شفهيا، وحماية الفلول إجرائيا وعمليا.
ولكل ذلك وغيره تبدو مدهشة تلك المعالجة الرومانسية الحالمة لموضوع الانتخابات المقبلة وإسباغ أوصاف على البرلمان القادم باعتباره «برلمان الثورة» بينما المخطط له أن يكون برلمانا للفلول «حكومة ومعارضة».
امتحان الجماعة الصحفية
كنت أتمنى أن تقدم الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين النموذج الثورى المطلوب فى الانتخابات التى كان مقررًا أن تجرى اليوم، ويثبت الصحفيون أنهم بالفعل يتمثلون روح وقيم الثورة التى أوسعوها حبا وانتماء على صفحات مطبوعاتهم.
إن الجماعة الصحفية ستكون بصدد أول اختبار عملى، فإما أن يثبتوا جدارتهم بـ«وطن مهنى جديد» يقوم على دعائم «دستور جديد» ويختاروا بروح 25 يناير، أو يستسلموا لحالة «الشيزوفرينيا» المستفحلة حولهم على طريقة أولئك الذين يهتفون من أجل التغيير فى العلن، ويصوتون للجمود والفلول فى الخفاء. غير أن كل التمنيات تبخرت مؤقتًا وتأجلت لأن هناك من يستكثر على الصحفيين التغيير.