نشرت مؤسسة كارنيجى للسلام العالمى مقالا للكاتبة «ياسمين فاروق» تناولت فيه الخيار الأفضل الذى من الممكن أن تنتهجه السعودية للتعامل مع إيران ومشكلة الهجمات على المنشآت النفطية... ونعرض منه ما يلى:
بعد الهجمات التى تعرضت لها السعودية على منشآتها النفطية، أعلن المسئولون السعوديون أن كل الردود جاهزة... ولكن لا يزال هناك رد يعتبر الأفضل وهو وجود ترتيبات غير عدائية مع إيران.
قال ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان أنه يأمل ألا يتم استخدام الرد العسكرى وأن يتم حل المشكلة سياسيا وبشكل سلمى. وإلى جانب ذلك رحب بفكرة اللقاء بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس حسن روحانى للتوصل إلى اتفاقية جديدة، وهو ما يعد خروجا عن الأسلوب العدائى المعتاد ضد إيران.
إلا أن الجلوس مع إيران على طاولة المفاوضات قد يحمل تكلفة سياسية للرياض، فربما يتم النظر إلى هذا الموقف على أنه ضعف ليس فقط من جانب إيران ولكن أيضا من جانب أعداء وحلفاء النظام السعودى داخل وخارج المملكة.
***
يمكن للسعودية أن تبدأ بترتيبات غير عدائية وليس بالضرورى أن تكون هذه الترتيبات معلنة أو تتطلب محادثات مباشرة بين الطرفين. فيمكن أن يصبح تدبير لبناء الثقة وحشد الدعم الدولى قبل فتح قنوات مباشرة ورسمية للتفاوض والذى يبدو أن إيران تسعى له. وفى المقابل من الممكن أن تقوم السعودية بتأجيل إعلان نتائج التحقيقات حول الهجمات ضد منشآت أرامكو... وبالفعل تجنبت السعودية حتى الآن اتهام إيران بشن الهجمات.
مثل هذه الترتيبات التى تعتمد على وساطة طرف ثالث ستختبر مصداقية الرئيس الإيرانى، الذى جعل عدم الاعتداء أحد «المبدأين الأساسيين» من «تحالف من أجل الأمل»، وهى رؤية لتحقيق الاستقرار الإقليمى تسمى رسميا مبادرة هرمز للسلام.
***
من أكبر المميزات التى تمتلكها السعودية فى مواجهة إيران هو شبكة أصدقائها الدوليين. وهذا ما سمح للمملكة أن تحقق انتصار دبلوماسى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر 2019.. فإلى جانب تأييد الولايات المتحدة، قامت ثلاث دول أوروبية كانوا من ضمن الموقعين على الاتفاق النووى الإيرانى باعتبار الهجمات التى تمت على السعودية هجمات «تهمنا جميعا» وأن إيران تتحمل المسئولية.
ومع ذلك، لا ينبغى للرياض أن تنظر إلى هذا الموقف كتأييد لاستراتيجية «الضغط الأقصى» الأمريكية التى تلتزم بها المملكة. فالبيان الأوروبى دعا إلى «وقف التصعيد من خلال الجهود الدبلوماسية المستمرة ومشاركة جميع الأطراف».
يجب أن يخفض الرد الأمريكى والأوروبى من توقعات المملكة بدعم عسكرى من أصدقائها لمواجهة إيران.
***
يمكن للمملكة العربية السعودية إشراك أعضاء دائمين آخرين فى مجلس الأمن، روسيا والصين، فى صياغة هذه الترتيبات بعدم الاعتداء. إذا لم يتم نشر الأدلة التى تتهم إيران بشن الهجمات، سيمكن هذا من دعوة محققين روس وصينيين إلى مواقع الهجمات.
لبكين مصلحة فى دعم إنشاء توافق بين السعودية وإيران، على الأقل سرا، للحفاظ على مصالحها الاقتصادية فى الخليج.
سيزور الرئيس الروسى فلاديمير بوتين السعودية هذا الشهر لأول مرة منذ عام 2007، على الأرجح سعيا وراء المزيد من النفوذ فى الخليج. وقد يندرج تقديم طلب للحصول على دعم روسى لمساعى السعودية فى تخفيف الصراع ضمن خطة الكرملين للأمن فى الخليج. وهذا يعنى أنه يمكن أن يحصل على مشاركة أكثر إيجابية من موسكو.
يمكن لأنظمة الدفاع الجوية الصينية والروسية معاونة السعودية على التصدى لمثل هذه الهجمات التى حدثت يوم 14 سبتمبر. احتمال وجود تعاون عسكرى قد يجذب كلا البلدين لدعم جهود الرياض فى الحد من التصعيد.. وحتى الآن تتسامح إدارة ترامب مع درجة مماثلة من التعاون العسكرى.
***
بينما تستمر المملكة العربية السعودية فى اعتبار الهجمات «ضد العالم وليس المملكة العربية السعودية فقط»، صاغها ترامب على أنه «هجوم على المملكة العربية السعودية... ولم يكن ذلك هجوما علينا». لقد أثبت ترامب أكثر من مرة أن الولايات المتحدة لن تتورط فى تصعيد عسكرى، حتى إذا كانت السياسية الأمريكية هى السبب فى الأزمة... فى الواقع، بعد الهجمات على المملكة العربية السعودية، حاولت الولايات المتحدة بشكل مؤقت تحويل مركز القيادة والسيطرة للقوات الجوية من الخليج لأول مرة منذ عام 1991.
يظهر رد الولايات المتحدة أنها ستستمر فى استراتيجية «الضغط الأقصى» مع نبذ وجود رد أمريكى عسكرى. وهذا لن يمنع المزيد من التصعيد بين السعودية وإيران.
وصرح ترامب بأنه سيتبع الموقف السعودى فى الرد على الهجمات، ومن ثم ترتيبات عدم الاعتداء السعودية مع إيران ستكون السياسة الأسهل بالنسبة له.
***
لم تضمن سياسات السعودية المنفتحة تجاه إيران حماية دائمة ضد ما وصفه وزير خارجية الرياض «بالنشاط الإيرانى العدائى»... ولكن هذا الوقت فى السياسة الدولية للشرق الأوسط يوفر حافز وردع يمكن للسعودية استغلاله فى مفاوضاتها مع إيران. وكلما انتظرت المملكة، كلما قل ما تمتلكه من تأثير على النتيجة النهائية فى صراعها مع إيران وعلى أى إطار متعدد الأطراف للأمن فى الخليج مستقبلا.
يجب ألا تكون المحاولات السابقة للتفاوض مع إيران دليلا على فشل المسار الدبلوماسى. بدلا من ذلك، يمكن أن تصبح دروسا لجعل المحاولات التالية أنجح ومستمرة.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
http://bit.ly/31bkCJh