سياسات أمريكا فى إفريقيا تحتاج إلى تغيير - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سياسات أمريكا فى إفريقيا تحتاج إلى تغيير

نشر فى : الأربعاء 14 أكتوبر 2020 - 10:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 أكتوبر 2020 - 10:15 م

نشرت مجلة Foreign Policy مقالا للكاتب John Campbell يرى فيه أن الولايات المتحدة فى عهد ترامب لم تنسحب من القارة الإفريقية ولم تغير من سياساتها، إلا أن الكاتب يرى أن هذه السياسات فى حاجة إلى تغيير.. نعرض منه ما يلى.
بدا الرئيس ترامب فى بداية ولايته مستعدا لإدخال تغييرات كبيرة على سياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا. ولكن سياسته «أمريكا أولا» نادت بعكس ذلك وخاصة بعدما أطلق على دول العالم النامى «دول الحفرة القذرة»، وبعدما عارض اتفاقيات التجارة الدولية التى رأى أنها تعارض مصالح أمريكا، كما سعى إلى تقليل التمويل الأمريكى للمنظمات الدولية التى تعتمد عليها الدول الإفريقية بشكل كبير فى تلقى المساعدات، وحتى تركز إدارته على منافسة القوى العظمى ــ الصين وروسيا ــ اقترحت تقليل الوجود العسكرى الأمريكى الصغير بالفعل فى إفريقيا.
ترامب على ما يبدو لا يهتم ويزدرى إفريقيا. وعلى عكس أسلافه، لم يسافر ترامب إلى القارة خلال فترته الأولى، كما أنه لم يشارك شخصيا فى القضايا المهمة التى تواجه السياسات الإفريقية مثل الصحة. التقى ترامب برؤساء الدول الإفريقية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة واستقبل بعضهم فى البيت الأبيض، ولكن غطتها تعليقات ترامب غير حسنة النية على الدول الإفريقية.
ومع ذلك، وبعد ما يقرب من أربع سنوات، حافظ ترامب إلى حد كبير على السياسات الإفريقية طويلة المدى التى ورثها. خطاب إدارة ترامب يركز على ما ستحصل عليه فى المقابل، خاصة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار والمساعدات، ولكنها استمرت فى تمويل مبادرات المساعدات والاستثمارات الكبرى بل وأنشأت مبادرات جديدة.
لم تنهِ إدارة ترامب اللعبة الأمريكية فى إفريقيا، ولكن سياسة أمريكا فى إفريقيا فى حاجة إلى إعادة تشغيل. لطالما افترضت الدبلوماسية الأمريكية خطأ أن إفريقيا تضم دولا قومية تقليدية تسيطر حكوماتها على أراضيها وتتحدث باسم شعوبها. ولكن باستثناء بعض الدول الإفريقية لم يكن هذا هو الحال أبدا. انصب تركيز الدبلوماسية الأمريكية على المستوى الوطنى والانتخابات، ولم يركزوا بشكل كافٍ على الأولويات المحلية.
***
يعود الفضل جزئيا إلى الكونجرس فى الاستقرار المفاجئ لسياسة الولايات المتحدة تجاه إفريقيا. فبالرغم من سعى إدارة ترامب لخفض الإنفاق، إلا أن الكونجرس، حتى عندما كان الجمهوريون يسيطرون على مجلسيه، استمر فى تمويل برامج إنسانية باهظة التكلفة مثل خطة الرئيس جورج بوش الطارئة للإغاثة من الإيدز. بلغ إجمالى مساعدات وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للبلدان الإفريقية 7,1 مليار دولار فى السنة المالية 2019، بما يتماشى تقريبا مع المساعدة السنوية لإفريقيا خلال إدارة الرئيس أوباما.
ولكن حتى فى الحالات التى لم يكن على ترامب فيها مواجهة الكونجرس غالبا ما اختار الاستمرارية. فعلى عكس الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، لم يتخلَ ترامب أو يستبدل قانون النمو والفرص فى إفريقيا والذى يعفى بموجبه دول إفريقيا جنوب الصحراء من رسوم دخول منتجاتها إلى الولايات المتحدة. أطلق ترامب أيضا مبادرته التجارية والاستثمارية «إفريقيا تزدهر» التى تهدف إلى تسهيل الاستثمار الأمريكى الخاص. وبعد الاقتراح الأولى لإلغاء «مؤسسة الاستثمار الخاص لما وراء البحار»، التى قدمت مليارات الدولارات لتمويل وتأمين الاستثمارات فى الدول الإفريقية، عملت الإدارة مع الكونجرس لضمها مع «هيئة ائتمان التنمية التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» وخلق وكالة جديدة ذات تمويل أفضل تحت اسم «مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية».. من المرجح أن تكون إفريقيا من أكبر المستفيدين من الوكالة.
لقد طردت إدارة ترامب العديد من كبار خبراء الشأن الإفريقى فى وزارة الخارجية، ولكن من ظلوا فى مكانهم تُركوا لتطوير السياسات الحالية وتنفيذها، بالإضافة إلى برنامج «إفريقيا تزدهر». ونتيجة لذلك، لا تزال المساعدات والدبلوماسية الأمريكية تركزان على تعزيز الأهداف طويلة الأمد، مثل الأمن والصحة ونزاهة الانتخابات.
قد لا يكون ترامب مهتما شخصيا بإفريقيا، لكن إدارته ظلت منخرطة دبلوماسيا فى القارة. لعبت نيكى هايلى، عندما كانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، دورا مهما فى إقناع الديكتاتور جوزيف كابيلا، رئيس الكونغو الديمقراطية السابق، بالتخلى عن السلطة فى عام 2019. كما دعمت الإدارة الديمقراطية الجديدة فى السودان بعد الإطاحة بعمر البشير واستعدت فى سبتمبر لشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو التصنيف الذى أبعد الخرطوم عن النظام المالى الدولى ومنعه من تطبيع العلاقات مع واشنطن. لقد أهملت الإدارة بعض القضايا والمناطق، لكنها لم تهمل القارة.
حتى تركيز الرئيس على المنافسة بين القوى العظمى لم يؤدِ إلى انسحاب عسكرى كبير فى إفريقيا. وفقا للقيادة الأمريكية فى إفريقيا (أفريكوم)، تستضيف القارة ما يقرب من 6000 فرد من وزارة الدفاع بما يتماشى تقريبا مع مستويات القوات فى عهد أوباما، ولم يستجب الكونجرس لضغوطات ترامب ووزير الدفاع مارك إسبر من أجل تخفيض قوات أفريكوم بسبب المخاوف من تنافس القوى العظمى لملء ما سينتج من فراغ فى إفريقيا. تشير بعض المؤشرات إلى أن تواجد الجيش الأمريكى فى إفريقيا آخذا فى الازدياد، ولكن ليس بشكل كبير. تظهر وثائق من أكتوبر 2018 أن أفريكوم تخطط لإنفاق أكثر من 330 مليون دولار بين 2021 و2025 لتعزيز شبكتها المكونة من 27 قاعدة فى إفريقيا، مما يشير إلى استمرار الوجود الأمريكى فى القارة.
سياسات ترامب التى تمثل خطرا على إفريقيا ليست تلك التى تركز بشكل صريح على إفريقيا، بل سياساته المرتبطة بالمناخ والصحة العالمية. فمن المؤكد أن قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ سيكون له تداعيات طويلة الأجل على إفريقيا، أكثر القارات المهددة من تغير المناخ. إلى جانب ذلك، فإن نية الإدارة فى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وإلغاء تمويلها يهدد القارة بسبب بنيتها التحتية الصحية الضعيفة.
***
لا يجب أن يؤخذ وجود سياسات أمريكية طويلة المدى فى إفريقيا على أنه مطمئن. السياسات الأمريكية مبنية على أن الدول الإفريقية بعد الاستعمار هى دول قومية بالمعنى التقليدى. لم يكن هناك اعتراف كافٍ أن هذه البلدان تفتقر إلى هوية وطنية موحدة أو أن النخب تخدم مصالحها الذاتية. فشلت السياسة الأمريكية فى تفسير تسرب القوة فى أكبر الدول الإفريقية نحو مراكز القوة الإقليمية، حيثما يسيطر السياسيون المحليون والزعماء الدينيون والحكام التقليديون. لذا فإن السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا التى تفترض أن الانتخابات تعكس إرادة الشعب لا معنى لها.
يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة، سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية، أن تضع سياسة إفريقية تركز على سيادة القانون بقدر ما تلقيه من أهمية على الانتخابات الحرة النزيهة. سيكون التركيز على تعزيز جهود مكافحة الفساد بداية جيدة. من المرجح أن يؤدى مثل هذا التحول فى الأولوية إلى تحسين أمن القارة، والتنمية الاقتصادية، والعلاقات مع الولايات المتحدة. كما أنه سيبعد الولايات المتحدة عن أجهزة الأمن الإفريقية التى غالبا ما تكون متورطة فى انتهاكات حقوق الإنسان.
الدبلوماسية الأمريكية الفعالة يجب أن تبدأ بالاعتراف أن العديد من الدول الإفريقية ليست دولا، وأن تصبح الدبلوماسية الأمريكية أكثر لا مركزية فى ظل الإدارة المقبلة. بدلا من التركيز بشكل أساسى على رؤساء الدول ووزارات الخارجية، يجب على الدبلوماسيين الأمريكيين التعامل مع القادة الدينيين والمنظمات المدنية والحكام التقليديين والمحافظين ورؤساء البلديات. سيتطلب القيام بذلك من موظفى السفارة الأمريكية التحرك خارج مراكزهم المحصنة، وهو تغيير سيتطلب إعادة التفكير فى الأمن الدبلوماسى.
إذا فاز جو بايدن فى انتخابات نوفمبر، يجب على إدارته أن تنضم بسرعة إلى اتفاقية باريس للمناخ وأن تعيد التمويل إلى منظمة الصحة العالمية. ستفيد كلا الخطوتين الولايات المتحدة وكذلك الدول الإفريقية، وستوفر منصات للتعاون فى المستقبل.
لكن أيا كان من سيفوز فى انتخابات نوفمبر، فإن مستقبل إفريقيا سيظل إلى حد كبير فى أيدى الأفارقة لأن الولايات المتحدة لا تمارس فى إفريقيا نفس القدر من النفوذ الذى تمارسه القوى الاستعمارية السابقة. لطالما كانت علاقاتها بالقارة سطحية، وكانت الشركات الأمريكية متخوفة بشأن الاستثمار والتجارة فى إفريقيا. قضايا الديموغرافيا والأمن والصحة فى إفريقيا تتطلب مشاركة دبلوماسية أكبر للولايات المتحدة. ولكى تكون المشاركة فعالة يجب أن تعكس سياسات الإدارة القادمة تجاه إفريقيا الحقائق الإفريقية.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://fam.ag/3nKwdeP

التعليقات