وأنت متوجه إلى صناديق الاقتراع غدا للاستفتاء على الدستور أنصحك أن تنسى كل ما علق بسمعك من رغى فضائى وأرضى وتنفض عن ثيابك غبار معاركهم الكذوب، وتأخذ نفسا عميقا وتترك المجال لضميرك وحدسك كى تختار.
إن كل الذين طالبوك ووجهوك لقول «نعم» والذين يمارسون عليك تفزيعا و«تهجيسا» كى تقول «لا» إنما يفكرون فى مصلحتهم قبل أن يفكروا فيك، ولا تهمهم فى شىء إلا باعتبارك وسيلة أو أداة لصراع مجنون، يشتعل ويخبو، ثم يتأجج ويخمد تبعا لرغبات الطرفين فى التصعيد والتهدئة وفى الحالتين أنت الحطب الذى يستدفئون به إذا فشلوا فى لعبة التحطيب.
إن أفلاطون كان يؤكد دائما أن الشخص الحر ينبغى أن يكون حرا حتى فى الحصول على المعرفة، ولذلك من الأفضل لك أن تكون رأيك فى الدستور من خلال قراءتك الخاصة له، وعن طريق فهمك الذاتى لما قرأت وسمعت، وعلى ذلك يأتى قرارك أمام الصندوق نابعا من داخلك، فلا أنت كافر بالله لو قلت «لا» ولا أنت كافر بالوطن لو قلت «نعم».. كما أن «نعم» لن تحول مصر إلى سودان أو صومال آخر كما يسكبون فى عقلك من أوهام، أو أن «لا» ستجعل مصر دولة عظمى.
واعلم جيدا أن لا فضل لأحد عليك، بل أنت صاحب الفضل على السلطة وعلى المعارضة، أنت صاحب هذه الثورة وصانعها وعتادها وعدادها، ولولاك ما كان الذين ارتقوا إلى الحكم فى مقاعدهم، ولا كان الذين امتطوا سدة المعارضة فى أماكنهم يرتدون مسوح الزعماء الملهمين.
أنت من سيبقى وهم زائلون، لأنك وحدك الذى تكبش النار والتراب بقبضتك وتعرف كيف تستنطق الأرض فتبوح لك بالحقيقة، أنت الزارع والصانع والساقى والمعلم والحارس الساهر على الثغور، فاجعل عقلك قائدك وضميرك مصباحك، ولا تسلم رأسك لمن لا يرحمون.
وتذكر أن الذين يطالبونك الآن بأن تقول «لا» هم أنفسهم الذين صوروا لك أن فى ذهابك للجان التصويت موتك وهلاكك، ومنهم من نادى بحرمانك إن كنت لا تجيد القراءة والكتابة من حقك فى الانتخاب، وهاهم بعد أن اعتبروا الذهاب إلى اللجان عارا، تراجعوا وقالوا لك اذهب وقل «لا» ثم بعد سويعات عادوا يهددون بأنهم سوف ينسحبون ويسحبونك معهم من الساحة إذا لم تتحقق شروطهم.
لقد سبق وأن قصفوا دماغك بوابل من الأكاذيب الكابوسية فحاولوا إقناعك بأن مصر ستفنى إن لم تنتخب مرشح نظام مبارك، وروعوك بانهيارات وانفجارات قادمة لا محالة، وفى المقابل سعى الطرف الآخر لإسالة لعابك بوعود عن مصر التى ستصبح جنة، وعن أنهار من العسل واللبن سوف تتدفق بطول البلاد وعرضها، وحدثوك عن الأمان الذى سيأتى والرخاء الذى لن يتأخر.. وها أنت تطالع الصورة الآن: لا مصر صارت خرابة ولا هى أصبحت واحة للنعيم.
لكن ذلك لا يعنى أنه لا يوجد أمل، كل المطلوب منك أن تبقى قابضا على جمر حلمك بالأفضل، ومحافظا على رأسك من مسرطنات يروجها المستحوذون على تركة «الخطاب العكاشى» من الجانبين.
باختصار: استفت قلبك.