فى مطلع كل عام تذاع فى إنجلترا قائمة بأسماء الأشخاص الذين استحقوا «رتبة الإمبراطورية البريطانية MBE» وهو أعلى وسام تمنحه ملكة إنجلترا اعترافا بما قدموه من خدمات خلال حياتهم للعرش والدولة والأمة.
استحق الوسام هذا العام لينو كاربوزييرو، حلاق اللورد كاميرون رئيس الوزراء. اعتبر المراقبون الأجانب النبأ مثيرا، بينما لم يجد فيه عامة البريطانيين ما يستحق التوقف عنده، مما يعنى أنهم يشتركون مع رئيس الوزراء وغيره من رجال الدولة والقصر الملكى فى إيلاء الأهمية الكبرى للمهمة التى يقوم بها الحلاقون فى الساحة السياسية.
•••
هذا الانطباع يؤكده معلقون وصحفيون فى المملكة المتحدة إذ يقول أحدهم «لا تستهينوا برجل يقف فوق رئيس وزراء بريطانيا، يملى عليه أوامر ليحرك رأسه يمينا ويسارا ويرفعها ويثنيها، وفى الوقت نفسه يستطيع بسهولة قراءة الأوراق التى يطلع عليها الرئيس وتنتظر تأشيراته عليها». ولكن رغم دقة الملاحظة فات على هذا الإعلامى حقيقة أن حلاق رئيس الوزراء ليس الشخص الوحيد المسموح له أن يقف فوق المسئول الكبير، ويجرؤ أن يملى عليه أمرا، ويطلع على الأوراق المصفوفة أمامه. هناك شخص آخر. هذا الشخص هو سكرتيرته الخاصة.
•••
يردد الأيرلنديون «اسطورة لينش»، وهى الأسطورة التى تحكى قصة ملك تعوّد على أن يستدعى حلاقا مرة فى السنة ليصفف شعره. وما إن ينتهى الحلاق من مهمته إلا ويصدر الملك أمرا لسيافه بقطع رقبته. تقول الاسطورة إن الملك كان يخشى ان يخرج الحلاق من القصر فيفشى سره، وهو أن للملك أذنين كأذنى الحمار. اسطورة مماثلة سابقة على هذه الاسطورة الايرلندية وربما أشهر منها يرويها المؤرخون ودارسو عالم الأساطير عن الإمبراطور ميداس الإغريقى.
•••
لا مبالغة، على ما أظن، فى الدور الذى يقوم به الحلاقون، وبخاصة فى السياسة. إذ تشير التماثيل والرسومات على المعابد والقصور القديمة إلى أن ملوك الأزمنة العتيقة ومنهم الفراعنة كانوا حريصين على ارتداء شعر غير طبيعى مصفف بعناية ومتناسب مع الوجه والرقبة والأكتاف. وكان لمصففى هذا الشعر، والشعر الطبيعى إن وجد، مكانة خاصة فى كل القصور والمعابد. قرأت لرئيس نقابة الحلاقين فى انجلترا تصريحا يؤكد فيه أن فوز الرئيس جون كينيدى على منافسه ريتشارد نيكسون فى انتخابات الرئاسة فى أوائل عقد السبعينيات يعود إلى كفاءة مصفف شعره، وليس إلى كفاءة كنيدى فى الخطابة، فالمعروف أن نيكسون كان يتفوق عليه خبرة وتجربة.
•••
يجد بعض الذين حرمتهم الطبيعة من غزارة الشعر أو جودته غرابة فى هذا الاهتمام بدور الحلاق فى السياسة، أو فى غيرها. بل ويجدون غرابة فى الرأى السائد بأن بعض النساء يفضلن الرجال حالقى الرأس أو من أسعدهم الحظ بفقد الشعر مبكرا. هذا النوع من النساء يتمرد على هيمنة أسطورة شمشون على الرواية التقليدية عن علاقة المرأة بالرجل ولا يترددن فى إعلان أنهن يفضلن الاسطورة المعاكسة التى تزعم أن رجلا بصلعة أوفر ذكاء وأقوى جسما وأصدق عاطفة من رجل بشعر غزير. يرفض هذا الزعم خبراء التجميل والعلاقات العامة وصناع الزعماء والملوك. هؤلاء لا يقبلون التشكيك فى أهمية الشعر الوفير لرجل يريد أن يعمل بالسياسة ويحلم بمنصب عظيم. هم أيضا لا يقبلون التشكيك فى أهمية ان يكون هذا الشعر «طبيعى اللون» حتى لو اضطر لصبغه يوميا، وأن يكون كالتاج فى رونقه وأناقته. يقال إن ادوارد هيث رئيس وزراء بريطانيا الأسبق كان يجاهر بإعجابه بشعره فى مؤتمرات حزب المحافظين، ويتعمد أن يسأل الأعضاء أن يقفوا خلفه ويعربوا عن رأيهم فى «تصفيفة» شعره كما تبدو من الخلف.
•••
ليس فقط «رجال» الدولة هم الذين يهتمون بتصفيف شعرهم، فهناك بطبيعة الحال «نساء» الدولة، ففى تقرير نشرته دار الوثائق البريطانية جاء أن السيدة مارجريت تاتشر استقبلت مصفف شعرها 118 مرة خلال عام 1984 وحده، أى بمعدل مرة كل ثلاثة أيام. كان حلاق تاتشر حافظا لسرها، وبخاصة ما يتعلق بتفاصيل العلاقة الطردية بين خصلات شعرها وحالتها النفسية. ويفخر حلاق اللورد كاميرون بأنه الوحيد الذى يعرف ويتابع حركة بقع الصلع التى تظهر وتختفى فى رأس رئيس الوزراء، وهى مهمة شاقة ومسئولية كبيرة لاعتقاده أن شعبية رجل السياسة تتأثر سلبا بأى نقص فى عدد شعر رأسه وبأى تغير جوهرى أو مفاجئ فى لونه. تسكت الشعوب عن كثير من حيل رجال السياسة، فهى تعرف عن ثقة وأحيانا بالدقة اللازمة أعمار قادتها ولكنها لا تريد ان ترى الشيب وقد علا رءوسهم والتجاعيد وقد غطت وجوههم.
•••
سمعت من يقول إن الناس يطلبون من الزعيم أكثر من وعود وخطط وبرامج، يريدونه بهى الطلعة، أنيق المظهر، قوى الجسم، ولكنهم يريدونه أيضا وقد أحسن تصفيف شعره