حتى لا تخسر دول الخليج مصر - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 9:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا تخسر دول الخليج مصر

نشر فى : الأربعاء 15 فبراير 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 فبراير 2012 - 9:20 ص

عودنا نظام مبارك فى السنوات الأخيرة أن يكون الإحساس بقوة مصر وتأثيرها الإقليمى بطريقة سلبية. بمعنى أن يستوعب المصريون أهمية بلدهم من عدد المقالات التى تنشر فى الصحف العربية التى تشجب غياب دور مصر عن الساحة فى وقت تتوالى فيه الأزمات فى الوطن العربى. ذلك بالرغم من أن عددا من هذه المقالات يكون هدفه إبراز ضعف مصر إقليميا ولكنه فى الحقيقة يولد رد فعل عكسيا عند قارئها. إذ يشعر العرب ونشعر كمصريين بغياب مصر حينما يكون الإقليم فى حاجة إلى قوة إقليمية تقود العمل العربى المشترك سواء بالتأثير على العواصم العربية الأخرى أو بإحراجها أمام شعوبها ودفعها إلى اتخاذ موقف. قد أعادت ثورة ٢٥ يناير لمصر أهم عامل فى ممارسة القيادة الإقليمية، وهو شرعية ممارسة دور القائد. وتعتبر هذه الشرعية امتيازا منفردا لمصر فى إطار التغيرات التى يشهدها النظام العربى حاليا. فسائر الدول التى تُصنٌف على مستوى القوى الإقليمية اليوم هى إما غير عربية أو غير ديمقراطية. وتعتبر العروبة والديمقراطية اليوم هى من مفاتيح القيادة فى ظل نظام عربى يعاد تأسيسه بدءا من القواعد الشعبية مرورا بالأنظمة الحاكمة وصولا إلى إعادة تعريف دور جامعة الدول العربية.

 

●●●

 

والغريب أن دول الخليج كانت دائما أول من يعترف لمصر علنا بشرعية لعب هذا الدور. فلم يجد حكام دول الخليج فى السابق غضاضة من الاعتراف لمصر بهذا الدور ــ وإن كان الهدف من هذا الاعتراف أحيانا تحميل مصر مسئولية القرارات المأخوذة بشكل جماعى أو إرضاء غرور نظام مبارك بهدف الحصول على دعمه للمواقف الخليجية. ومع ذلك، لا ننكر أن العلاقات بين مصر ودول الخليج تتميز عن سائر علاقات مصر الدولية بكثافتها وأبعادها المتعددة. فهى لا تقف عند حد المصالح وإنما تضرب بجذورها فى المجالات الإنسانية والتاريخية والثقافية والدينية والعلاقات الشخصية إلى جانب المجالات الاقتصادية والسياسية والتجارية.

 

ولكن تبقى الحقيقة المؤلمة فى أن تغير النظام فى مصر لم يرق لمعظم الأنظمة العربية وخاصة أنظمة الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. حتى قطر التى طالما تصادمت مع نظام مبارك تهاب عودة مصر للعب دور إقليمى ينتزع منها المواقع التى يملأها القطريون والتى وجدت نتيجة غياب القوى العربية التقليدية عنها. رأينا كيف تعمدت دول الخليج المماطلة فى منح المساعدات لمصر، إذ يتردد أن مصر لم تحصل سوى على مليار جنيه من أصل عشرة مليارات وعدت بها دول الخليج بعد الثورة، ولم يصدر عن دول الخليج ما ترد به. وربما كانت تصريحات الدكتور نبيل العربى تجاه إيران والتى اعتبرها فيها دولة جوار يمكن أن تحتفظ مصر معها بعلاقات طبيعية سببا أساسيا فى هذا الموقف الخليجى. وبالمناسبة، فوجهة نظر الدكتور نبيل العربى يشترك فيها مع مسئولين سابقين من نظام مبارك مثل السيد عمرو موسى ودكتور مصطفى الفقى. بل إنه فى مارس ٢٠٠٧، زار نائب وزير الخارجية السابق إيران فى أول زيارة لرجل دولة مصرى لهذا البلد منذ ٢٧ سنة. ولكن كانت أنظمة الخليج تعتبر الرئيس مبارك صمام الأمان فى عدم تحقق أى تقارب مصرى مع إيران.

 

●●●

 

وبالرغم من جولات الدكتور عصام شرف فى دول الخليج ومحادثات المشير طنطاوى والدكتور حازم الببلاوى مع قادة الخليج والمسئولين الأمريكيين بهدف طمأنتهم، إلا أن موقف دول الخليج من المساعدات لمصر لم يتغير كثيرا. ونحن لا نعتبر أن المساعدات والقروض الخليجية حقا مكتسب لمصر على الإطلاق، ولكن نرفض أن تكون أداة للتأثير على قرارات مصر فى سياستها الإقليمية. والحقيقة أن خيار ابتزاز مصر فى الوقت الحالى من خلال المساعدات أو مقالات تشجب ضعف الموقف المصرى فى الملف السورى أو تنتقد مواقف مصر من خلال شخص الدكتور نبيل العربى أمين عام جامعة الدول العربية ليست فى مصلحة مستخدميها فضلا عن أنها غير مبررة، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل:

 

أولا: لا يخفى على أحد أن المجلس العسكرى ووزارة التعاون الدولى ما لبثا أن استخدما العلاقات مع الخارج، وخاصة فى مجال المساعدات، كأداة لتدعيم شرعية المجلس العسكرى والحكومة الحالية وسلطات المرحلة الانتقالية بشكل عام. وبالنظر إلى موقف دول الخليج فى بدايات الثورة المصرية، فما أسهل التلويح بكرامة مصر لاستفزاز الرأى العام الداخلى ضد دول الخليج بل ولشحن الهمم من أجل إتباع سياسات تقشف داخلى تغنى عن المساعدات الخارجية، وهو ما قامت به دول أخرى فى أمريكا اللاتينية وآسيا إبان مراحل التحول الديمقراطي. وما تجربة تأميم قناة السويس من أجل بناء السد العالى وتقديم كرامة مصر على ابتزاز الخارج منا ببعيدة.

 

ثانيا، بالرغم من مخاوف دول الخليج من أن تقود مصر «حركات التحرر» فى مختلف الدول العربية، فإن المجلس العسكرى التزم نفس سياسة مبارك الإقليمية التى تعبر عن «لا موقف» رسمى علنى قاطع تجاه الثورات العربية وعدم الانخراط النشط فيها. حتى إن أداء مصر الإقليمى اليوم أصبح يشبه الأداء السعودى فى تفضيل دبلوماسية الأبواب المغلقة والتى تتميز بالهدوء والحذر أو بات يشبه الحياد الإيجابى. حتى إن الشعوب الليبية والسورية واليمنية شجبت فى أكثر من مناسبة ضعف المساندة المصرية لثوراتها ــ أقله علنيا. أضف إلى ذلك أن الدول المحافظة ــ و بخاصة قطر والمملكة العربية السعودية ــ هى التى تقود التحرك العربى فى الملفات السورية والليبية واليمنية والبحرينية.

 

ثالثا، أكدت الانتخابات المصرية صعود تيارات الإسلام السياسى المتوافق أيديولوجيا مع المرجعية الفكرية لدول الخليج. كما أن هذه التيارات تدعم مواقف دول الخليج فى معظم القضايا الإقليمية بل وتجعلها تبدو «معتدلة» فى عدة ملفات إقليمية مثل الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والموقف من العراق الجديد والعلاقات مع إيران.

 

 فما الحاجة إذا إلى التخوف من مصر وإبراز ضعفها الإقليمى وحاجتها إلى المساعدات فى مقالات تنشرها بعض الصحف الخليجية؟

 

●●●

 

إن التزام مصر الدبلوماسية الهادئة لا يعنى غياب دورها عربيا. ولكن يعنى أنها حريصة على استقرار الوضع الداخلى قبل الانخراط فى مواقف خارجية قد تزيد من الضغوط عليها وهى غير المستقرة داخليا. ولكن على العالم الخارجى، وخاصة دول الخليج، التنبه إلى أن الشعوب اليوم أصبحت تتكلم من خلال المجالس الوطنية وحركات ومنظمات المجتمع المدنى ــ ومع الأسف ــ مهاجمة السفارات وتفجير خطوط الغاز. بمعنى آخر، فإن تواجد منصة للثورة السورية فى ميدان التحرير فى الذكرى الأولى للثورة المصرية إلى جانب اجتماعات المجلس الوطنى السورى والفصائل الفلسطينية بالمسئولين المصريين فى القاهرة بالإضافة إلى زيارة المشير طنطاوى لليبيا وجولات رئيس الوزراء السابق ووزراء الخارجية المتابعين فى أفريقيا تعنى كلها أن مصر غير منكمشة على نفسها وأنها تستطيع إن أزمعت، أن تعيد توظيف تأثيرها الإقليمى رغم متاعب المرحلة الراهنة. ولكن أليس من الأفضل أن يخدم هذا التوظيف المصالح العربية المشتركة بدلا من العودة إلى حرب باردة عربية؟

 

ألا يخطر ببال بعض الإعلاميين والمعلقين من دول الخليج الذين يشنون حملات ضدنا، أن مصر عندما تتخطى أزمتها الحالية لن تنسى من الذى وقف إلى جانبها ومن الذى تعمد تعجيزها حينما كانت فى حاجة إلى يد العون؟

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات