السياسة ورضاء الوالدين - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 4:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة ورضاء الوالدين

نشر فى : السبت 5 سبتمبر 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 5 سبتمبر 2015 - 9:15 ص

اختلافاتنا أنا وأمى هى الاختلافات العادية التى تحدث بسبب اختلاف المعارف والتجارب.

يناير ٢٠١١ مثلت نوعا جديدا من التجارب التى اشتركت فيها أنا وأمى للمرة الأولى، تجربة الخوض فى السياسة والمشاركة فيها من خلال المظاهرات. فنزلت أنا فى مظاهرات التحرير واشتركت هى فى مظاهرات ميدان سيدى جابر بالإسكندرية. وفجأة اختفت فجوة الاختلاف، فصرنا مجتمعين على كره نظام مبارك ورجاله، وعلى عكس الكثير من الآباء والأمهات، كانت هى تشجعنى على المشاركة فى المظاهرات وعلى إمداد المتظاهرين بوسائل المعيشة. فكنا أنا وهى على نفس الخط السياسى. وحينما نزل الجيش إلى الميادين، كان موقفنا واحدا، اقشعرت أجسادنا لرؤية الدبابات واغرورقت أعيينا بالدموع لرؤية الأهالى وهم يحتضنون عساكر الجيش ويشكرونهم على حماية الشعب من بطش مبارك ونظامه.

***

وأحبت أمى فى اعتزازى بالجيش ووطنيتى وحبى لبلدى، واكتشفت أنا فى أمى وطنيتها وحبها اللامشروط لمصر. ولم نلحظ أنا ولا أمى أننا كنا نرى أشياء مختلفة فيما يحدث. فأمى رأت فى موقف الجيش موقف المسئول عن حماية الوطن ومن له القول الفصل فى اختيار من يحكم مصر، أما أنا فقد رأيت فى موقف الجيش واجبا وطنيا وموقفا طبيعيا يدل على نزاهة المؤسسة العسكرية كما علمونا فى كتب المدرسة والجامعة.

وحينما بدأت المظاهرات ضد المجلس العسكرى، صدمت أمى وصدمت أنا وتهت فى التفسيرات التى تمليها على العلوم السياسية التى أتخصص فيها والتفسيرات التى يتداولها المتظاهرون على الأرض. فقد تفاجأت حين قرأت عن سقوط ضحايا فى مواجهات مع قوات الجيش، وملت مبدئيا إلى عدم التصديق فى حين لم تصدق والدتى بتاتا. وظلت الحيرة تنتابنى حتى أحداث مجلس الوزراء، إذ نزلت إلى التحرير وكنت مع مجموعة من الأصدقاء التى رغبت فى فهم ما يجرى بالنزول إلى أرض الحدث. وفجأة وجدنا كل من فى الميدان يجرون نحونا ورأينا من خلفهم عساكر الجيش وفى أيديهم الهراوات وعلى وجههم غضب شديد يلهمهم بضرب كل من يسقط تحت أرجلهم بوحشية شديدة. وبدأت من يومها أتعامل تعاملا مختلفا مع دور الجيش فى السياسة وبدأت أقرأ عن دور الجيوش فى الأنظمة السياسية.

وهنا ظهرت من جديد الفجوة الفكرية بينى وبين أمى. أما هى، فظلت متسقة مع نفسها، تساوى حبها للوطن بحب المؤسسة العسكرية، وأما أنا فقد فصلت بين حبى لمصر وحبى لمؤسسات الدولة.

***

فالوطنية من وجهة نظر العديد من الآباء والأمهات ــ مثلما علمت من أحاديثى مع أصدقائى ــ تساوى حب كل من فى يده التمثيل الرسمى لمصر. إذ مثلت ثورة أمى على مبارك فى يناير استثناء نتج عن لمسها وتجربتها الطويلة مع فساد مبارك وحاشيته ورجال نظامه. فالوطنية عند أمى وغيرها هى حب كل ما هو دولتى وأوله الجيش. أما بالنسبة لى ولأبناء جيلى، فالوطنية هى حب كل ما فيه صالح البلد والأمة وإن أتى من خارج مؤسسات الدولة. ومنذ بدأت هذه الفجوة فى الظهور بينى وبين أمى، بدأت تتهمنى بعدم الوطنية وبأننى لا أحب البلد لأننى أنتقد مؤسسات الدولة. واتسعت الفجوة وازداد الخلاف مع تظاهرات الـ٣٠ من يونيو ٢٠١٣. فقد كنت أنا متحفزة بين كرهى لحكم الإخوان المسلمين الذين أثبتوا أنهم ليسوا أقل سلطوية من نظام مبارك، وبين خوفى من عودة المؤسسة العسكرية إلى الحكم فى مصر.

وظل خوفى دائما ينبع من أن المؤسسة العسكرية هى المؤسسة الأخيرة التى حمت مؤسسات الدولة المصرية من السقوط وهى الوحيدة التى تمتلك سلطة شرعية مقبولة من جميع أجهزة الدولة وعلى رأسها البيروقراطية. وأصبحت أخاف من أن عودة الجيش إلى الحكم والتعامل معه كفاعل سياسى مثله مثل الآخرين يهدد مثل هذا المركز كما هدده فى أواخر حكم المجلس العسكرى وقبل تولى محمد مرسى حكم البلاد.

***

وحينما تأكد لى عودة المؤسسة العسكرية إلى الحكم المباشر فى السياسة والاقتصاد فى مصر، تأكد لى أن شهر العسل بينى وبين أمى قد انتهى بلا رجعة. فهى ترانى اليوم غير مدركة للمخاطر التى كانت تحيط بالوطن وأننى غير وطنية فى كل مرة أنتقد مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية والشرطة. وليست أمى الوحيدة، ففى كل مرة أتحدث مع أصدقائى من الذين يشاركوننى موقفى السياسى الناقد، ألاحظ أن أهالينا يساوون بين حب الوطن وحب مؤسسات الدولة وعلى رأسها الشرطة والجيش.

فليس من المسموح انتقاد هذه المؤسسات وإلا صار هناك تشكيك فى أننا نحب الوطن. ومهما أقسمنا أنا وغيرى لأهالينا أننا وطنيون مستعدون للتضحية فى سبيل الوطن الذى نحبه، يقومون بالتشكيك فى وطنيتنا أو اتهامنا بأننا من المتعاطفين مع الإخوان المسلمين. ويحتد النقاش وترتفع الأصوات ويزداد الحماس وينتهى الأمر إلى جانب الأبناء الذين يرون أن الأهل لا يتمتعون بالمعرفة التى نتمتع بها، وبين آباء يرون فى انتقادنا مؤسسات الدولة نقصا فى وطنيتنا وحبنا لمصر مدعومين بخطاب إعلامى يروج لوحدة تعريف الوطنية. وغالبا ما تنتهى الكثير من النقاشات المحتدة مع الأهل إلى طلب من الوالدين ــ بحدة أو بالتفاهم ــ بعدم إعلان الموقف الناقد ليس فقط خوفا من الملاحقة السياسية ولكن أيضا تحت التهديد بالخروج من دائرة رضاء الوالدين المحبين للوطن.

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات