عن مصر وإيران ورد الجميل لدول الخليج - ياسمين فاروق - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 4:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن مصر وإيران ورد الجميل لدول الخليج

نشر فى : السبت 2 مايو 2015 - 9:15 ص | آخر تحديث : السبت 2 مايو 2015 - 9:15 ص

يدفع هذا المقال إلى أن مصر تحتاج اليوم أكثر من أى وقت مضى إلى الاحتفاظ بهامش من حرية الحركة فى سياستها الخارجية. ذلك أن مصر لا تمتلك اليوم الكثير من الموارد لكى تلعب دورا مؤثرا فى الصراعات الإقليمية. ولعل المساحة الوحيدة التى يمكن أن تشغلها مصر فى هذه الصراعات هى مساحة الوسيط. ولذلك على مصر أن تتبنى موقفا لا تستعدى فيه أحدا وخصوصا عسكريا. ولعل أهم من نوصى بعدم استعدائها هى إيران لتى يمكن أن يكون لها دور محورى فى تعويض خسائرنا السياسية عن استعداء الشعوب ما بعد ٣ يوليو ٢٠١٣.

لقد مرت علاقة مصر بإيران بثلاث مراحل بعد الثورة. ولعل أهم هذه المراحل هى مرحلة حكم الإخوان المسلمين والتى حاول فيها الرئيس محمد مرسى أن يسير على خيط رفيع ما بين الاحتفاظ بالعلاقات الإخوانية مع إيران وعدم خسارة دول الخليج. وكان من الواضح أن إيران ــ والتى تقوم سياستها على معايير مزدوجة ــ لم تكن تمانع بأن تحتفظ مصر بعلاقات وثيقة مع دول الخليج. ولعل الثمن الذى كنا سندفعه نظير ذلك هو نأى مصر بنفسها عن الدخول فى صراعات عسكرية مباشرة مع إيران.

والحقيقة، وعلى الرغم من مشاركة مصر فى عاصفة الحزم، إلا أن مصر مازال يمكنها أن تتبع مثل هذه السياسة. فقد شاركت مصر مشاركة محدودة فى العمليات العسكرية من خلال إرسال قطع بحرية قامت بمهمة محددة وهى حماية أمن دول الخليج وتحديدا المملكة العربية السعودية. نحمد الله أن الأمور لم تتطور إلى مواجهة عسكرية بين السفن الحربية المصرية وسفن إيرانية فى حال كانت قررت طهران الدخول فى الصراع العسكرى حول اليمن. كما نشكر الظروف التى لم تورط جنودا مصريين ــ حتى اليوم ــ فى مواجهة مسلحة على أرض اليمن. ويمكن تفهم الدور المحدود الذى لعبته البحرية المصرية فى عاصفة الحزم فى إطار العلاقات بين مصر والسعودية. ولكن الاحتمال فى توسع الدور المصرى فى إطار المواجهة الإقليمية بين السعودية وإيران قد تم التطرق إليه فى الخطاب الأخير للرئيس عبدالفتاح السيسى بمناسبة عيد تحرير سيناء. فعلى الرغم من تصريح الرئيس ورئيس الأركان أكثر من مرة أن القوة العسكرية العربية التى يتم تشكيلها غير موجهة ضد أحد، إلا أن الرئيس فى خطابه الأخير صرح بأن مصر «لن تسمح ــ بالتعاون مع أشقائها العرب ــ لأية قوة تسعى لبسط نفوذها ومخططاتها على العالم العربى بأن تحقق مشاريعها». ولكن السؤال هو كيف؟ هل بالاحتواء أم بالمواجهة العسكرية؟ فما الذى يمنع بأن تحافظ مصر على أمن دول الخليج كخط أحمر فيما تلعب دور الوسيط الإقليمي؟

***

يجب أن نعى أن العائد من اعتماد دول الخليج على القوة العسكرية المصرية ليس أبديا وليس مضمونا. فلنتذكر أنه فى إطار حرب الخليج الثانية تم توقيع إعلان دمشق الذى بموجبه يتم إرسال قوات مصرية وسورية لحماية دول الخليج ولكن هذه الأخيرة قررت الاستعانة بقوات وقواعد أمريكية عوضا عن القوات العربية. وقد ينبهنا ذلك إلى أن الاعتماد الخليجى على القوة المصرية حاليا يأتى كرد فعل للحسابات الأمريكية الجديدة بخصوص المنطقة. إذ إن الاستعانة بالقوة العسكرية المصرية أتت بعد تراجع الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط والذى نما عن سياسة أمريكية بعدم الانخراط المباشر فى الصراعات الإقليمية أو أن تتورط أمريكا عسكريا فى بقعة جديدة فى الشرق الأوسط. وقد حدث ذلك فى حين تتجه المملكة العربية السعودية إلى تفضيل الحل العسكرى لكل الصراعات الإقليمية من البحرين إلى اليمن إلى ترجيح الحل العسكرى فى سوريا مع التشجيع على استخدام القوة داخل مصر. فهل يجب أن تلعب مصر الدور العسكرى بدلا من الولايات المتحدة؟

إن واشنطن لم تتخل عن أمن دول الخليج وإنما ترفض أن تكون الذراع العسكرية لهذه الدول فى سياستها الإقليمية. كما أصبحت الرؤية فى واشنطن أن تأمين مصالحها لا يمر بدولة معينة ولا بنظام معين، وإنما يمر بالطرف الإقليمى الأقوى الذى يقدر أن يلعب مثل هذا الدور. ولذلك تتوجس كل من إسرائيل ودول الخليج خيفة من الاتفاق النووى الغربى مع إيران لأن ذلك يعنى بالنسبة لدول المنطقة خروج الولايات المتحدة من معسكرها فى الاستقطاب الحالى بين دول الخليج وإسرائيل من ناحية وإيران والعراق وحزب الله وبشار الأسد من ناحية أخرى. ولذلك علينا أن نسأل أنفسنا، أين موقع مصر من كل ذلك؟
إن مدخل الإجابة عن هذا السؤال يكمن فى تصور الرئيس حاليا للدور الإقليمى الذى تلعبه مصر. هل تسعى لأن تكون أداة عسكرية لتوازنات إقليمية لم تساهم فى تشكيلها؟ أم من الممكن أن تلعب مصر الدور الذى تنأى القوى الإقليمية الأخرى عن لعبه وهو دور الوسيط؟ أم هل يمكن لمصر أن تلعب الدور التركى وهو الدور الذى يقتصر على حماية المصالح التركية على جميع الجهات دون الدخول فى هذا المعسكر أو ذلك؟

إن الثقل العسكرى الذى يجعل مصر ترجح كفة دول الخليج على كفة إيران أو كفة الأنظمة الحاكمة على كفة الميليشيات يمكن أن يتحول إلى ورقة ضغط تفرض بها مصر دورها كوسيط على الطرفين. فمن ناحية، سوف تقبل إيران بوساطة مصرية لتجنب أن تنضم مصر بكل ثقلها العسكرى والسياسى ــ وهو أبعد من الدور المحدود فى عاصفة الحز ــ إلى معسكر أعداء إيران. ومن ناحية أخرى، تستطيع مصر أن تمارس الضغوط على دول الخليج لقبول وساطة مصرية تحت التزام وشرط حماية أمن دولها.

إن اتباع مقاربة مختلفة فى التعامل مع إيران يفتح لمصر بابا لتلعب دورا أكبر فى سوريا والعراق بل وفى ملف المصالحة الفلسطينية. إذ يفتح تحسين العلاقات مع إيران الباب لمصر لكى تحسن من علاقاتها وتكسب ثقة الأطراف المتصارعة فى هذه الملفات التى تم تدويلها والتى فقدت مصر فيها الاتصال مع الأطراف المتحاربة على الأرض.

***

ليس فى هذا المقال دعوة للتخلى عن أمن دول الخليج. ولكن فيه دعوة إلى أن تفكر مصر فى دورها الإقليمى بعيدا عن الاعتقاد بأن هناك طريقة واحدة «لرد جميل» دول الخليج تنصب على تحقيق مطالبها فيما يخص السياسة لإقليمية لمصر. فأحيانا قد يكون رد الجميل من خلال طرح بدائل أخرى تحمى الحليف ولكن دون أن تعرض مصر للدخول فى حرب إقليمية فى حين تنخرط القوات المسلحة فى حرب استنزاف مع الجماعات المسلحة فى سيناء وحماية الحدود مع ليبيا وغزة. فلن يتم التفكير فى الدور الذى يحمى لمصر مصالحها فى الجزيرة العربية، ولكن هذا واجب علينا فى القاهرة.

ياسمين فاروق أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية
التعليقات