هل يمكن أن نستبعد أى شىء يمكن أن يقوم به الرئيس الأمريكى دونالد ترامب معنا فى مصر أو مع أى دولة أخرى فى العالم؟
الإجابة هى لا، بالنظر إلى القرارات الصادمة التى اتخذها ترامب منذ دخوله إلى البيت الأبيض سواء ضد مؤسسات وهيئات وفئات داخل بلاده، أو ضد مختلف دول العالم من أول بنما إلى الصين مرورًا بالاتحاد الأوروبى وحلف الناتو وكندا والدنمارك ومجموعة البريكس.
إذا كانت هذه هى الإجابة، فالمطلوب فى هذه الحالة أن نكون مستعدين فى مصر وكل دولة عربية على حدة لكل السيناريوهات بما فيها شديدة السوء.
فإذا كان ترامب يطالب بهدم ما تبقى من قطاع غزة وطرد سكانه وإعادة بنائه من جديد كى يسكنه آخرون لا يعرفهم حتى الآن، فمعنى ذلك أن الرئيس الأمريكى يمكنه أن يتخذ ما هو أسوأ، وهل هناك أسوأ مما قاله عن غزة، وتمهيده لضم إسرائيل إلى الضفة الغربية.
ما الذى يمكن أن يفعله ترامب مع مصر؟
الورقة الأولى التى يعتقد ترامب أنها أساسية هى المعونات التى بدأت فى أعقاب توقيع مصر لاتفاق السلام مع اسرائيل عام 1979، وهى بقيمة 1.3 معونة عسكرية و815 مليون دولار مساعدات اقتصادية والأخيرة ظلت تتراجع تدريجيًا اعتبارًا من 1998 حتى وصلت الآن إلى 250 مليون دولار. ويتفنن الكونجرس فى استقطاع مبالغ منها بحجج وهمية مختلفة خصوصًا ملف حقوق الإنسان، ونعلم أن المعونة تتضمن سلعًا ومعدات غيار أمريكية، وليست كلها أموالًا نقدية، كما يتصور البعض.
ترامب هدد بالفعل بوقف المعونة، ثم تراجع بعد ذلك خلال لقائه العاهل الأردنى، يوم الثلاثاء الماضى، لكن من الواضح أنها ورقة صارت مطروحة للاستخدام والتهديد.
وأغلب الظن أن ترامب لا يدرك أن المعونة ليست من طرف واحد فوجود العلاقة الطيبة مع مصر يحقق لأمريكا أهدافًا استراتيجية كثيرة، أهمها على الإطلاق استمرار العلاقات مع إسرائيل، وعلينا أن نركز فى فقرة مهمة جدًا وردت فى بيان الخارجية المصرية يوم الثلاثاء الماضى تحذر من «تعريض مكتسبات السلام للخطر»، وأظن أن رسالتها وصلت لمن يهمه الأمر.
خسارة هذه العلاقات قد تخلط وتلخبط كل الأوراق الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة. ثم إن العلاقات تسمح للولايات المتحدة باستخدام قناة السويس فى مرور سفنها، وكذلك أجواؤها ثم إن الثقل المصرى فى المنطقة شديد الأهمية ليس فقط لأمريكا بل وللغرب أيضًا.
الورقة الثانية هى التأثير الأمريكى الكبير فى صندوق النقد والبنك الدوليين، وبقية مؤسسات التمويل الدولية خصوصًا مؤسسات التصنيف، مثل فيتش وموديز وستندارد آند بورز، والمؤكد أنها أوراق مهمة، فلا أحد ينكر التأثير الأمريكى فى الاقتصاد العالمى.
من مصلحتنا الحفاظ على علاقات طيبة مع أمريكا وعدم الدخول فى صدام معها، فهى أقوى وأغنى دولة فى العالم، وهى ليست فقط دونالد ترامب بل الجامعات والتكنولوجيا والصناعة والسينما والعديد من المجالات، لكن حينما نضع الضغوط والابتزازات الاقتصادية فى كفة والسيادة والكرامة الوطنية فى كفة أخرى، فالمؤكد أن الخيار محسوم.
سوف نفترض أن ترامب قرر بالفعل وقف المعونة لمصر، وبالتالى من المحتم أن تكون لدينا خطط تفصيلية محددة تتعامل مع أسوأ السيناريوهات.
مبلغ المعونة لم يعد كبيرًا بأرقام هذه الأيام، لكن القضية ليست فى المعونة فى حد ذاتها، بل فى إمكانية تحريك أمريكا لأذرعها وأوراقها الاقتصادية الدولية للتأثير على الاقتصاد المصرى مثل «الأموال الساخنة»، وهنا ينبغى أن تكون لدينا خطط جاهزة عنوانها «حان وقت الفطام من المعونة الأمريكية».
نعم قد نتأثر كثيرًا، لكن فى الوقت نفسه من المهم أن يبدأ الاقتصاد المصرى فى التعود على السير دون «عكاز المعونة المخلخل».
البيت الأبيض لم يعد فيه أشخاص، مثل جيمى كارتر أو جورج بوش الأب أو حتى بيل كلينتون، وتل أبيب لم يعد فيها قادة يعرفون قدر مصر وأهمية المحافظة على علاقات معها مثل إسحاق رابين أو شيمون بيريز أو إيهود باراك.
لديهم حكومات وشخصيات متطرفة تحكم منذ سنوات ولا يمانعون فى استخدام القنبلة النووية ضد سكان غزة، ويتباهون بأن يدهم الطويلة قادرة على الوصول لأى مكان فى العالم.
نعم الوضع صعب جدًا، لكن علينا ألا نستبعد أى سيناريو مهما كان بعيدًا، ومن المهم جدًا أن نبدأ فى مصارحة أنفسنا بأن هناك أيامًا صعبة قادمة قد تتطلب تضحيات جسيمة، وهو موضوع يحتاج إلى نقاش لاحق.