نشرت مجلة «New York Times» تحقيقها الذى أجراه «ليام ستاك» حول دور روبرت مردوخ وعائلته وما يحدث بداخلها من عدم استقرار فى زعزعة الديمقراطية فى الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا. وانتهى التحقيق باستخلاص ست نتائج حول كيفية انعكاس الاضطرابات الداخلية فى الأسرة على سياسات هذه الدول.
قال روبرت مردوخ ــ وهو مؤسس الإمبراطورية الإعلامية العالمية والتى تضم قناة فوكس نيوز ــ إنه «لم يطلب أبدا أى شىء من أى رئيس وزراء». ولكن هذه الإمبراطورية التى أسسها منحته نفوذا فى الشأن العالمى ومنحت عائلته نفوذا هائلا ليس فقط فى الولايات المتحدة، ولكن أيضا فى البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية فى جميع أنحاء العالم.
أجرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقا دام لمدة ستة أشهر فى أمريكا الشمالية وأوروبا واستراليا، تم وصف فيه كيف أن مردوخ وأبناءه المتناحرين حولوا وسائلهم الإعلامية إلى أداة تأثير سياسية يمينية زعزعت الديمقراطيات.
إليكم بعض النتائج الرئيسية من تحقيق التايمز حول عائلة مردوخ ودورها فى ظهور الموجة السياسية اليمينية غير الليبرالية التى تجتاح العالم.
عائلة مردوخ تجلس فى مركز الاضطرابات العالمية
منذ فترة طويلة وفوكس نيوز تحاول جذب الانتباه إلى الحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة، والذى أدى بدوره إلى تزايد الحركات الوطنية والتى أدت إلى ظهور حركات اليمين المتطرف وانتخاب الرئيس ترامب.
وفى بريطانيا، عملت صحيفة «The Sun» الذى يمتلكها مردوخ خلال سنوات على تشويه صورة الاتحاد الأوروبى فى نظر البريطانيين، مما أدى فى الأخير إلى ظهور حملة تؤيد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وأقنعت الناخبين فى استفتاء 2016 بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد. ومنذ ذلك الوقت والفوضى تسود فى بريطانيا.
أما فى أستراليا، حيث امتدت سيطرة مردوخ على وسائل الإعلام على نطاق واسع، والذى ساهم فى الإطاحة بعدد من رؤساء الوزراء الذين لم تعجبه أجنداتهم، بما فى ذلك مالكولم تيرنبول فى العام الماضى.
فى وسط هذه الاضطرابات تجلس عائلة مردوخ وما بداخلها من اضطرابات. صحيفة «التايمز» حاولت اكتشاف الحركات داخل هذه العائلة وتأثيرها على امبراطورية مردوخ التى على أعتاب تغييرات بداخلها، حيث يستعد مردوخ البالغ من العمر 88 عاما بتسليم السلطة إلى ابنه لاشلان مردوخ.
ومن الملاحظ أن هذه التغييرات تتضمن التفكك الجزئى لهذه الإمبراطورية، حيث باع السيد مردوخ واحدة من شركاته «21st Century Fox» لشركة والت ديزنى مقابل 71.3 مليار دولار.
هذه الصفقة حولت أبناء مردوخ إلى أصحاب البليونيرات وتركوا لـ«لاشلان» السيطرة على سلاح سياسى قوى: شركة فوكس والتى تمثل أهم أصولها «فوكس نيوز».
كاد السيد مردوخ أن يموت العام الماضى، مما يجعل مسألة الخلافة أمرا عاجلا
التوريث كان مصدرا للتوتر فى عائلة مردوخ لسنوات طويلة وخاصة بين أبناء مردوخ لاشلان وجايمس اللذين تتعارض آرائهما بشكل كبير. وقضى الأخوان حياتهما فى التنافس على خلافة أبيهما، وعندما قرر السيد مردوخ تفضيل لاشلان على جايمس، قام لاشلان بنقل الأخبار لجايمس على الغداء، مما أدى إلى زيادة توتر العلاقات بينهما.
ترك جايمس الشركة لفترة وجيزة احتجاجًا على ذلك. لكن تم إغراؤه من خلال تقديم حل وسط والذى جعل لاشلان مسئولا، ولكنه سمح لجايمس بحفظ ماء الوجه من خلال خلق الوهم فى الرأى العام بأنه هو الوريث. ولكن كل هذه الخطط المتعلقة بالتوريث ــ ومن ضمنها صفقة ديزنى ــ تلخبطت عندما كسر السيد مردوخ عموده الفقرى العام الماضى وظن الجميع أنه يقترب من الوفاة. ولكن نجا السيد مردوخ، لكن اقترابه من الموت أبرز فقط عدم الاستقرار فى عائلته.
دعم الإمبراطورية للرئيس الأمريكى وإطاحتها برئيس وزراء استرالى
عززت وسائل الإعلام التابعة للسيد مردوخ السياسات اليمينية فى جميع أنحاء العالم فى السنوات الأخيرة.
خلال الحملة الانتخابية فى 2016، نصح مضيف فوكس نيوز سيان هانيتى المحامى السابق للرئيس مايكل دى كوهين بالبحث عن الصديقات السابقات أو الموظفين السابقين للرئيس ترامب خشية أن يسببوا له مشكلة، وكان هذا وفقًا لما قاله شخصان شهدوا هذا الأمر (هانيتى ينفى تقديم هذه النصيحة). وقد حُكم على السيد كوهين فيما بعد بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب دفعه نقودًا لاسكات امرأتين قالتا إنهما كانتا على علاقة بالرئيس ترامب.
كما قامت امبراطورية مردوخ باستعراض قوتها فى استراليا، والتى لطالما كانت مجال لاشلان.
فأعرب لاشلان عن عدم رضاه بالجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ، كما أصبح قريبًا من السياسى تونى أبوت الذى حظى بالمساعدة من قبل صحف مردوخ فى انتخابات رئاسة الوزراء عام 2013. وغيرت عائلة مردوخ السياسة الاسترالية فى عام 2016 عندما سيطرت على Sky News Australia ونقلت لهم نموذج فوكس نيوز. وسرعان ما عرضوا من خلالها آراءهم اليمينية التى غالبا تركز على العرق والهجرة وتغير المناخ.
فى العام الماضى، اتهم السيد تيرنبول وموظفوه روبرت ولاشلان مردوخ باستخدام وسائل الإعلام الخاصة بهما للمساعدة فى تأجيج الانقلاب داخل الحزب والذى انتهت بطرده من منصبه فى أغسطس. تم استبدال السيد تيرنبول، وهو خصم للسيد أبوت، بالقومى اليمينى سكوت موريسون، وأنكرت عائلة مردوخ أى دور فى استبدال تيرنبول.
إدراك جايمس موردوخ أن فوكس نيوز خطر على الشركة
جايمس مردوخ أدرك الوهم الذى تقدمه هذه الإمبراطورية قبل إعلان لاشلان كوريث. ولقد رأى فوكس نيوز، على وجه الخصوص، على أنها مصدر لأيديولوجية ضارة تعوق جهود الشركة فى الابتكار والنمو. ولكن مقترحاته قوبلت بالرفض، فعارض روبرت ولاشلان تغيير ما اعتبروه يحقق لهم ربحا وقرروا إبقاء برامج فوكس.
وكان جايمس ممثلا لإمبراطورية مردوخ فى بريطانيا عام 2010 عندما حاولوا الاستيلاء على خدمة البث البريطانى Sky Broadcasting، والتى يمتلكون فيها حصة قليلة. ولكن هذه المحاولة لم تكتمل بسبب فضيحة التجسس على الهواتف فى 2011، والتى أرغمت جايمس وأبيه على المثول أمام البرلمان لتبرير سبب اختراق موظفيهم للبريد الصوتى للمواطنين، مما أجبرهم على التخلى عن Sky.
وبعد خمس سنوات، بعد أن واجهت العائلة ضغوطا من منافسين مثل Netflix وAmazon، تقدمت العائلة بعرض ثانٍ لشراء Sky. وقام جايمس مرة أخرى بالتحدث بالنيابة عن الإمبراطورية. ولكن العرض انهار مرة أخرى بسبب فضيحة واتهامات سوء السلوك الجنسى لبعض مقدمى برامجها. وهذا إلى جانب سلوك السيد هانيتى، الذى استخدم برنامجه لنشر نظريات المؤامرة حول وفاة موظف فى اللجنة الوطنية الديمقراطية يدعى سيث ريتش، مما أثار مخاوف فى بريطانيا بشأن ثقافة وأخلاقيات الشركة.
لم تحظر بريطانيا ضم عائلة مردوخ لـ SKY فقط، بل قضت أيضًا بأنه لا يمكن لأى فرد من عائلة مردوخ بأن يعمل فى Sky بأى صفة وكان هذا فى الوقت الذى كان يشغل فيه جايمس منصب رئيس مجلس إدارة Sky. لقد كان هذا الحدث بمثابة إهانة كبيرة أقنعت جايمس بأن إمبراطورية الأسرة لا يمكن أن تنجو بسبب سياستها وثقافتها. وعلى الصعيد الآخر، رأى لاشلان أنه تأكد من أن جايمس، بعد فشله فى الحصول على Sky، لا يصلح لهذا العمل.
صفقة ديزنى فاقمت من الانشقاق العائلى
اختلف جايمس ولاشلان بشدة حول بيع 21st Century Fox إلى ديزنى. ضغط جايمس بشدة من أجل اكتمال الصفقة ــ التى اكتملت الشهر الماضى ــ بينما عارضها لاشلان بشدة. فعارضها لأنها تقلص من حجم الإمبراطورية بشدة، وكما قال أشخاص مقربون من لاشلان، أن معارضته تنبع جزئيا من شكوكه فى أن حكم شقيقه قد طغى عليه طموحه الشخصى. فلقد ظن أن جايمس كان على استعداد لبيع 21st Century Fox بأقل من قيمتها لأنه أراد أن تتضمن الصفقة وظيفة لنفسه فى ديزنى.
حولت الصفقة ديزنى إلى عملاق إعلامى، والعمل هناك كان من الممكن أن يمكن جايمس من جعل نفسه خليفه لـروبرت أيجر ــ الرئيس التنفيذى لديزنى. ومما سيسمح له أيضًا بالهروب من الشركة العائلية وسياساتها البالية واحتمالية العمل لدى لاشلان.
اختلف الأخوان على كل شىء. فعندما أراد جايمس الرد على حظر السفر الذى فرضه الرئيس ترامب فى عام 2017 ببيان يطمئن فيه موظفى الشركة المسلمين، اعترض لاشلان على ذلك بشدة. وعندما اشترى جايمس قصر والدهما فى بيفرلى هيلز مقابل 30 مليون دولار، شعر لاشلان الذى أراد أيضًا البيت بالضيق فقام والده بتقديم له بعض من أثاث القصر العتيق له ــ والذى اعتقد جايمس أنه كان اشتراه أيضا مع القصر.
خلال مفاوضات ديزنى، كان السيد مردوخ يشعر بالقلق من أن طموحات جايمس بالعمل فى ديزنى قد تتداخل مع الصفقة، وقام بالتأكيد على السيد إيجر أن هذا الأمر ليس شرطا لإتمام الصفقة. وفى النهاية، تمت عملية البيع ولم يحصل جايمس على الوظيفة.
وحاليا، تقريبا الأخوان لا يتحدثان مع بعضهما البعض.
ثلاثة من أبناء مردوخ أرادوا الخروج، وربما هذا ما يريده لاشلان أيضا
بعد صفقة ديزنى، تم التشكيك فى التزام أبناء السيد مردوخ بالحفاظ على ما تبقى من إمبراطوريته الإعلامية.
جعلت صفقة ديزنى كل فرد من عائلة مردوخ يحصل على مبلغ هائل من المال: السيد مردوخ تلقى 4 مليارات دولار وأبناؤه حصلوا على 2 مليار دولار لكل منهم. وباعتبار لاشلان وجايمس مديرين تنفيذيين فى 21st Century Fox، فحصلا على 20 مليون دولار إضافية من أسهم شركة ديزنى.
قام السيد مردوخ بتنظيم أسهم شركاته بحيث تكون عائلة مردوخ هى المسيطرة عليها، ومنع مردوخ أبناءه من بيع ما يمتلكوه من أسهم للغرباء. وفى 2018، قام جايمس بالخروج من تلقاء نفسه وعرض هو وشقيقتيه إليزابيث وبرودنس أسهمهم إلى لاشلان. أعجب السيد مردوخ بالفكرة وحث لاشلان على شراء أسهم أشقائه، وبالتالى يمتلك الأب والابن الشركة معًا.
قام المصرفيون بإعداد الوثائق اللازمة لتنفيذ عملية البيع، لكن لاشلان تراجع عنها؛ وقال إنه لن يستطيع التنفيذ من الناحية المالية، وهذا القرار أثار تساؤلات حول التزامه بالشركة. وقال أشخاص مقربون من جايمس إنهم يعتقدون أن لاشلان لم يكن متأكدًا من رغبته فى البقاء فى الشركة بعد اكتمال صفقة ديزنى. قالوا إنه ربما يريد العودة إلى أستراليا.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى