مساء الإثنين ١٥ مارس خرجت من عيادة د. حسام حسنى بالمهندسين، وأنا منهك ومحبط تقريبا، بعد أن أخبرنى أن حالتى صعبة جدا، ولا بد من دخول المستشفى فورا بعد إصابتى بكورونا، ودخول الفيروس إلى جزء من الرئتين.
كانت معى زوجتى وبناتى الثلاث، وجميعهن أيضا ثبت إصابتهن بفيروس كورونا، وأغلب الظن أننى كنت مصدر الإصابة إلى حد كبير.
عاد أولادى وزوجتى للمنزل، لأن حالتهن لا تستلزم العزل بالمستشفى، ثم أخذتنى زوجتى للمستشفى. وهذه المستشفى لها قصة أتمنى أن أعود للكتابة عنها لاحقا إذا سمح أصحابها لى بذلك إن شاء الله.
دخلت المستشفى فى التاسعة ليلا تقريبا ولم تستغرق إجراءات الدخول إلا دقائق قليلة. وبعدها تم وضع أسلاك الأكسجين فى أنفى، لأن النسبة لم تكن تزيد على ٨٤٪، وتم عزلى فورا وغادرت زوجتى المستشفى، لأنه لا يسمح إلا بوجود المريض فقط، حرصا على حياة المرضى ومناعتهم.
ودخلت الغرفة رقم ٨٠٤، وظللت لعشرة أيام لا أستطيع مغادرتها. الغرفة مجهزة ومعقمة وملحق بها حمام وسرير طبى مجهز جيدا، على يمينى جهاز متصل بأحد أصابعى يظهر نسبة الأكسجين فى الدم على شاسة كمبيوترعلى مدى الوقت.
فى الأيام الأولى صرت مدمنا للنظر فى الشاشة المتصلة بجهاز قياس نسبة الأكسجين، لأن الدرجة كانت أقل من ٩٠٪، وبالتالى تم تركيب سلك من أنبوبة الأكسجين متصل بأنفى، كى يرفع النسبة فوق التسعين.
صرت مدمنا تقريبا للنظر فى شاسة جهاز قياس الأكسجين المتصل بيدى وأنفى، للتأكد من أن نسبة الأكسجين فوق التسعين بالمائة.
لكن الأطباء نصحونى بالتوقف عن النظر للرقم المتغير على الشاشة، لأنه قد يصيبنى بالقلق والاضطراب، والأفضل أن أفكر فى النوم جيدا، وكذلك الأكل، وبدء تدريبات للتنفس الطبيعى بعيدا عن سلك الأكسجين.
صوت هذا الجهاز المجاور لى كان كالطنين فى رأسى لا يتوقف، وكأن شخصا يضربك بمطرقة على رأسك طول الوقت. لكن حينما عادت نسبة الأكسجين لتصبح فوق الـ٩٠، كنت أنسى كل شىء عن هذا الصوت المزعج.
حالتى كانت صعبة لدرجة اننى نادرا ما كنت أتمكن من النوم ساعتين متصلتين.
لمدة أربعة أيام على الأقل. كانت النسبة أقل من الـ٩٠٪ حتى بجهاز الأكسجين، لكنها مع العلاج بدأت تتحسن شيئا فشيئا. وفى هذا الجهاز أيضا قياسات لكل شىء خصوصا ضغط الدم ودرجة الحرارة.
على يمين السرير كان هناك جهاز يحمل محاليل العلاج المختلفة التى تتدفق عبر «كانولا» مثبتة فى يدى، وكل ساعتين تقريبا يأتى ممرض أو ممرضة لتغيير المحاليل فى أوقات محددة، تبدأ من السادسة صباحا، وتستمر حتى الواحدة ليلا، ويتخللها سحب عينات دم يومية لمعرفة تطورات الحالة، خصوصا درجة التنفس والوظائف الحيوية للجسم خصوصا المناعة.
لأيام طويلة كانت الكانولا فى يدى اليمنى فى حين تم وضع السلك المرتبط بجهاز قياس الأكسجين فى يدى اليسرى. وهكذا صرت مكتفا ومربوطا طوال اليوم تقريبا فى السرير. وفى اللحظة التى تكون هناك راحة من المحاليل، وأتمكن من القيام من السرير إلى دورة المياه، كنت أشعر وكأننى فى عالم ثانٍ مختلف.
الأيام الأولى لم تكن تطاق، خصوصا ضيق التنفس وصعوباته المختلفة.. مرت هذه الأيام على خير بفضل الرعاية الطبية الفائقة، ثم بدأت أتعود على نمط حياتى الجديد، وهو الجلوس أو النوم فى السرير الطبى لوقت لا يعلمه إلا الله.
فى الأيام الأولى زارنى طبيب نفسى بالمستشفى، ليسألنى عن حالتى، ويطمئن أننى لم أصب بالزهق والملل والاكتئاب خصوصا أن تقارير كثيرة تتحدث عن التأثيرات النفسية السيئة للفيروس على المرضى والتى قد تصل إلى الانتحار. فقلت له: حالتى جيدة حتى الآن ومازلت صابرا، خصوصا أننى فى اليوم الخامس كنت قادرا على القراءة حيث أحضرت معى ثلاث كتب ضخمة لمذكرات عمرو موسى ومصطفى الفقى وأحمد أبوالغيط.
السؤال الذى كان يشغلنى طوال الوقت هو هل سأتعافى وهل ساعود لحياتى الطبيعية، ومتى سيحين الوقت ليقول لى الأطباء المعالجون أننى يمكننى الخروج والعودة لبيتى؟!