الحقيقة حول علاقة أمريكا بإسرائيل - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 6:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحقيقة حول علاقة أمريكا بإسرائيل

نشر فى : الأحد 15 مايو 2011 - 9:31 ص | آخر تحديث : الأحد 15 مايو 2011 - 9:31 ص
بعد مرور 68 عاما على عملها فى الصحافة، منها 50 عاما مراسلة فى البيت الأبيض، أنهت هيلين توماس حياتها المهنية بسؤال يمكن أن يطرحه أى صحفى مبتدئ.

والسؤال هو: لماذا لا يغادر اليهود فلسطين، ويعودون إلى بلادهم فى ألمانيا وبولندا والولايات المتحدة؟ قبل أكثر من تسعين عاما ولدت هيلين فى مدينة ونشستر بولاية كنتاكى الأمريكية من والدين من أصل عربى لبنانى. هاجرا من مدينة طرابلس فى شمال لبنان. وهما ينتميان إلى الطائفة المسيحية الأرثوذكسية. واسم العائلة الحقيقى هو انطونيوس. وجرى تعريب الاسم ليصبح توماس!

●●●

وقد احتلت هيلين موقعا متقدما بين المراسلين الصحفيين فى البيت الأبيض منذ تخرجها فى الجامعة، وتقربت من جميع الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على السلطة، من عام 1960 (جون كندى) حتى الرئيس الحالى باراك أوباما. ولم يقم أى رئيس أمريكى بزيارة لدولة أجنبية إلا وكانت هيلين توماس فى مقدمة الوفد الإعلامى المرافق له.

●●●

فى مايو من العام الماضى وخلال حضورها احتفالا للطائفة اليهودية فى الولايات المتحدة، أجرى معها أحد الحاخامات من الإعلاميين مقابلة مسجلة. فسألها عن رأيها فى الوضع فى إسرائيل.

فى ذلك الوقت كانت هناك انتقادات للسياسة اليهودية حتى بين اليهود الأمريكيين أنفسهم. حتى إنه قامت جمعية جديدة تعرف باسم (ج ــ ستريت) نسبة إلى الشارع الذى اتخذت فيه بناء ليكون مقرا لها. وقد تبنت هذه الجمعية اليهودية الجديدة معارضة السياسة الإسرائيلية ومعارضة الدور الذى تقوم به مؤسسة إيباك اليهودية (أم الجمعيات اليهودية الأمريكية وصاحبة النفوذ القوى داخل الكونجرس وخارجه) والتى تعتبر أن كل ما تقوم به إسرائيل خير.. وبأنه يلزم جميع يهود العالم من دون نقاش. وقد أجابت هيلين توماس عن السؤال الذى وجهه الحاخام إليها قائلة: على الإسرائيليين أن يدركوا أن عليهم مغادرة الأراضى الفلسطينية والعودة إلى بيوتهم فى ألمانيا وبولونيا والولايات المتحدة.. وأى دولة أخرى هاجروا منها».

وما إن نشر الحاخام نص المقابلة حتى انقلبت الدنيا الأمريكية رأسا على عقب. فتحولت هيلين توماس من أيقونة الإعلام الأمريكى والتى تقدم الجوائز الجامعية باسمها إلى شر مطلق.

لم تفاجأ هيلين برد الفعل. فهى الخبيرة بواقع وبحجم النفوذ الصهيونى فى الولايات المتحدة. كانت تدرك أن تصريحها سوف يثير عليها الغضب ويفجر براكين الكراهية فى وجهها. ولكن وقد بلغت التسعين من عمرها فقد آن لها أن تقول الحقيقة.

●●●

لم تكن هيلين أول من تجرأ على أن يقول الحقيقة. فقد سبقها إلى ذلك أعضاء فى الكونجرس، إلا أنهم دفعوا الثمن عدم انتخابهم مرة جديدة. وسبقها إليها كذلك أساتذة جامعيون، إلا أنهم طردوا من الجامعات التى يعملون فيها.

وسبقها إليها دبلوماسيون متقاعدون، إلا أنهم حرموا من العمل فى مراكز الأبحاث والدراسات. وهكذا أيضا كان مصير هيلين توماس. فقد طردت من البيت الأبيض وألغت نقابة الصحافة الأمريكية الجائزة السنوية التى كانت تقدمها باسمها. كما ألغت جامعة واين التى تخرجت فيها توماس، الجائزة السنوية التى تحمل اسمها، والتى تقدم إلى المتفوقين فى كليات الإعلام.

وهكذا اضطرت هذه الصحفية إلى الانزواء فى بيتها عقابا لها على تجرؤها على قول الحقيقة ولو بصيغة سؤال!!

●●●

غير أن العقاب الذى فرض عليها لم يحجب عنها الأضواء. ففى مقابلة أجرتها معها احدى محطات التلفزة، سئلت السيدة توماس: بماذا تودين أن تذكرى وقد تجاوزت الآن التسعين من العمر؟ فأجابت: أود أن أذكر بأننى كنت دائما أسأل: لماذا؟

ولعل آخر أهم «لماذا» طرحتها السيدة توماس وبكل جرأة وواقعية هى: إذا كان من حق اليهود أن يحتفلوا بإحياء ذكرى المحرقة النازية التى تعرضوا لها على يد هتلر وأتباعه، فلماذا ينكلون بالفلسطينيين ويسومونهم سوء العذاب؟.

●●●

وإذا كان اليهود يحرصون على الاحتفال بذكرى المحرقة ــ الهولوكوست ــ ومن حقهم ذلك، فلماذا يفرضون على الولايات المتحدة الاحتفال بها كل سنة، علما بأن الولايات المتحدة لم تكن طرفا فى المحرقة بل شنت الحرب على بطل المحرقة ــ هتلر ــ وقضت عليه وعلى نظامه؟ وإذا كان اليهود يحرصون على إقامة المتاحف لتخليد جرائم النازية، وهو أمر مفهوم حتى فى كل مدينة ألمانية، ولكن لماذا يفرض على الولايات المتحدة أن تشارك فى دفع ثمن ما ليست مسئولة عنه وما هو ليس جزءا من تاريخها ولا يعكس ثقافتها؟

لم يحاول أحد من الإعلاميين أو حتى من أركان منظمة إيباك الإجابة عن أى سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة التى طرحتها هيلين توماس بعد صرفها من العمل وبعد منعها من دخول البيت الأبيض. ولعل ذلك شجعها على تجاوز علامات الاستفهام إلى طرح الوقائع التى عايشتها طوال أكثر من نصف قرن داخل الكونجرس والبيت الأبيض معا. وقد أوردت هذه الحقائق فى المقابلات العديدة التى أجريت معها داخل الولايات المتحدة وخارجها. وأهم هذه الحقائق التى ركزت عليها هى:
إن اليهود يسيطرون بشكل تام على البيت الأبيض وعلى الكونجرس وهؤلاء أعضاء فى اللوبى اليهودى المؤيد لإسرائيل والموالى لها، وخصوصا فى منظمة إيباك.

إن اليهود يسيطرون على الأسواق المالية. صحيح أن نسبة اليهود لا تتجاوز 2 بالمائة، لكن سيطرتهم المالية تتجاوز 80 بالمائة.

إن اليهود يحولون لإسرائيل سنويا مليارات الدولارات من التبرعات المعفاة من الضريبة. ومصدر هذه الأموال ليس اليهود وحدهم بل كل أولئك الذين يسعون إلى كسب دعمهم وتأييدهم.

تعترف هيلين توماس بأن كل ما تقوله الآن يعرفه كل المسئولون الأمريكيون.

ولكنهم لا يجرءون على التساؤل: لماذا؟. ومن هذه التساؤلات مثلا: لماذا لا تعلن الولايات المتحدة ان إسرائيل تملك ترسانة نووية؟

ولعل آخر «لماذا» تجرأت توماس على طرحها هى: لماذا غزت الولايات المتحدة العراق؟ وتقول: أليس من حق العالم أن يعرف الحقيقة وهى ان إسرائيل دولة نووية؟. أو ليس من حق الأمريكيين أن يعرفوا الحقيقة لماذا غزونا العراق؟

●●●

تنفى توماس هيلين أن يكون لأصلها العربى ــ اللبنانى، والمسيحى المشرقى، علاقة بقناعاتها التى تعبر عنها اليوم بوضوح وجرأة. وتقول إن ذلك يعكس ثقافتها الأمريكية وولاءها لمجتمعها الأمريكى أولا وأخيرا. ولكنها تأخذ على الآخرين افتقارهم إلى الجرأة لقول الحقيقة التى يعرفونها جيدا. أما هى فإنها اليوم فى الحادى والتسعين من العمر لم يعد لديها ما تخشى منه أو عليه، ولذلك فقد قررت أن تقول الحقيقة.. كل الحقيقة!!.
محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات