ترددت قليلا قبل أن أهم باستخدام الفعل «يشيخ» فى حديث أوجهه لقارئ عزيز لصفحة صحة وتغذية. الشيخوخة مرحلة من العمر مهمة أفرد الطب لها فصلا مهما فى كتابه تحت عنوان طب الشيخوخة. وتأتى لدى على رأس قائمة اهتماماتى حينما أبدأ برنامج الإعداد للصفحة. هو فصل بالفعل مهجور يعرض الكتاب عن استعماله ربما لما له من دلالة على قرب النهاية لكننى لا أرى فى لغتنا العربية على تراثها فعلا مرادفا له أو بديلا عنه إذا أردنا الحديث اليوم عن ذلك الأثر الفريد الذى سيتركه هذا الرجل العظيم الذى اختار ان يشيخ فى كرامة أتمناها لكم جميعا.
حديثى لا علاقة له بالسياسة انما بالإنسان وهل يتنبه إلى ضرورة ادخار بعض من قوة شبابه لوهن شيخوخته؟ أربعة وتسعون عاما عاشها مانديلا قضى منها سبعة وعشرين عاما بين ثلاثة سجون فى بلاده جنوب أفريقيا مدافعا عن مبادئ الحرية والمساواة بين البيض والسود. لم يحاكم مانديلا بل حكم عليه العالم الذى مارس ضغوطا مستمرة قوية للافراج عنه. اكتملت الاسطورة حينما خرج ليعلنه مواطنوه أول رئيس أسود منتخب بعد انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة.
سبعة وعشرون عاما من السجن الانفرادى متصلة لم تنل من عزيمة الرجل وان طالت رئتيه حيث أصيب بالسل الرئوى. احتفظ بقلب من البلور الخالص فلا كراهية أو رغبة فى الانتقام من أعدائه حتى زوجته التى خانت ارتباطهما سامحها وانفصل عنها فى هدوء يليق برجل محترم. احتفظ مانديلا بلياقته الذهنية فلم ينقطع يوما عن القراءة والكتابة والتعليق على كل ما يقرأ واهتم كثيرا بالموضوعات التاريخية. أما لياقته البدنية فلم يكف يوما فى سجنه عن أداء بعض من التمارين التى حفظ له دورة دموية نشطة.
عاش مانديلا حياته راغبا فيها فتعددت نشاطاته الدولية ووساطته فى قضايا مهمة داخل وخارج بلاده.
لم يقف مانديلا عند حدود علاقة زوجية كان يجب لها ان تنتهى لكنه استجاب فى شجاعة فى السادسة والثمانين من عمره لعلاقة حب أعادت الألوان لأيامه فأقدم على الزواج من سيدة جميلة فى الأربعينيات من عمرها أرملة لرئيس جمهورية موزمبيق السابق.
يصلى العالم الآن من أجل مانديلا وتحتشد الآلاف من مواطنين حول المستشفى الذى نقل إليه إثر تعرضه لمشكلات فى الرئة وصعوبة فى التنفس. الكل يدعو من أجل راحته وخلاص روحه كل بلغته وطريقته وان اختلفت.
الأمر الذى لن يختلف عليه أحد أنه رجل تدبر أمره فعاش شيخوخته فى كرامة تليق به بعد أن اغتال السجن أيام شبابه.