أكرر أسفى على رموز كنا نحترمها قررت المشاركة فى رقصة انتحار مهنى وأخلاقى، جعلتها تعتنق عقيدة فاسدة جديدة، تقوم على إباحة الكذب واستحلال التزييف، باعتبارهما سلاحين فى حرب لإسقاط النظام، وإبادة فصيل سياسى واجتثاثه من التربة المصرية.
فى أبريل الماضى كتبت أن فريقا من المحسوبين على الإعلام يعمل وفق نظرية ساقطة مضمونها أنه فى الحرب كل شىء مباح وحلال ومشروع، وعليه فإن إنتاج الأكاذيب واستخدامها والبناء عليها عمل لا غضاضة فيه، مادام سيسهل عملية إزاحة الرئيس وإسقاطه.
لكن الموقف الآن يتجاوز الكذب ليصل إلى حدود نهش الأعراض وإغماد سكاكين الوضاعة الإنسانية فى الأجساد والأكباد، وإطلاق قطعان من النهاشين تطبيقا لسيناريو منقول حرفيا من أحقر أدبيات حروب الدعاية السوداء.
عن المعتصمين فى ميدان رابعة العدوية وميادين أخرى اتخذت الحرب القذرة منعطفا جديدا يهبط إلى حضيض لا أخلاقى لم يعرفه المصريون من قبل، فتدور عجلة صحافة وإعلام السفاح بكذب فواح عن جهاد النكاح وتفشى الجرب والطاعون والجزام وقتل من يريد مغادرة الاعتصام.
وإذا وضعت فى الاعتبار أن مصر ارتدت مرة أخرى إلى زمن «وزارة الإرشاد» فإن ما يلقى فى وجهك من سخائم وأدران ليس نتاج جهد إعلامى دءوب، وليس حصاد نبش فى صناديق القمامة المعلوماتية، بل هو أقرب إلى النص المعمم على الكافة لترديده على أوسع نطاق، وفى توقيت واحد تقريبا.
إن الذين يرمون المعتصمات فى ميدان رابعة العدوية بتجارة الجسد من باب دعم الاعتصام يجسدون حالة شديدة البؤس من الانسلاخ من الأخلاقية والاستقالة من الإنسانية، ومخاصمة قيم مثل نظافة القول وعفة الفكر إلى غير رجعة، مثلهم كمثل ذلك الكائن الذى تحدث عن تعاطى المخدرات والعلاقات الجنسية الكاملة فى ميدان التحرير خلال الـ١٨ يوما الخالدة فى ثورة يناير المصرية.
كما أن الذين يهرفون بكلام ساقط عن قتل من يريد مغادرة الاعتصام لا يختلفون كثيرا عن أولئك الذين تاجروا بموقعة الجمل الباسلة فى سوق النخاسة الانتخابية يونيو ٢0١٢ ثم فى بازار السمسرة الانقلابية فى يونيو ٢0١٣.
وشخصيا أعرف عشرات بل مئات من الأصدقاء والمعارف يعتصمون فى ميدان رابعة كل يوم حتى الفجر ويعودون إلى منازلهم أو يتجهون إلى أعمالهم دون أن يمنعهم أحد أو يذبحهم أحد على أسوار الاعتصام.
ولعلك تلاحظ أن عشرات الآلاف المحتشدين فى الميدان كل ليلة يتحولون إلى آلاف فقط بعد صلاة الفجر، ولم نسمع أن هذه الآلاف المؤلفة من المغادرين تتعرض لعمليات قتل جماعى على بوابات الاعتصام كما يدعى صناع الحواديت التى لا تدخل عقل طفل.
أما الذين يتحدثون عن أمراض خطيرة بين المعتصمين كالطاعون والجرب لانعدام وسائل النظافة، فهؤلاء البؤساء هم من يحتاجون إلى كثير من النظافة والتطهر حقا، ذلك أن باطن قدم أبسط معتصم فى الميدان أنظف وأنقى بكثير من عقول محشوة بكل هذه النفايات الأمنية.
إن أفدح خسائر ذلك الذى جرى فى 30 يونيو أنه جعل مصر أقل إنسانية ونبلا، ويكفى أن من نتائجه المبكرة أن القاهرة تدير ظهرها للثورة السورية وتغلق بابها فى وجه الفارين من مقصلة الأسد الصغير وتناصب المقاومة الفلسطينية العداء فى اللحظة التى ينبرى فيها جنرالات الكيان الصهيونى للضغط على أمريكا كى لا توقف مساعداتها العسكرية لمصر.. ما هذا العبث؟!