أسفرت الهجمة الشرسة للموجة الحارة التى داهمتنا هذا الصيف حتى الآن عن وفاة ستة وسبعين من أهالينا، وطال الإنهاك الحرارى بتداعياته المختلفة ألفا ومائتين وخمسة منا. لم يعد إذن من الممكن أن نتغنى «بحلاوة شمسنا» أو نؤكد أن «الجو عندنا ربيع طول السنة» فالمعركة الآن مع الطبيعة والمناخ فى مواجهة عجزنا المزمن فى إدارة المواقف ومواجهة الأزمات.
حصدت الحرارة الأرواح لكن ضوءها الذى سطع عرض على العلن صورا متتابعة لوقائع مصرية تستدعى الألم وتستنفر الغضب.
عشر أرواح فى مستشفى الخانكة للأمراض النفسية، تعاون الحر والإهمال والمعاملة غير الآدمية وغياب الرعاية الصحية والقهر النفسى على اغتيالها، كما شهدت بذلك إحدى الممرضات فى برنامج تليفزيونى واسع الانتشار.
الباقون من كبار السن: الفئة التى لا تلتفت لها الدولة رغم أنهم الأولى بالرعاية فى آخر رحلة العمر، الذى قضوه خدما لها. نزلاء السجون والأقسام فى أماكنهم الخانقة الضيقة، عمال المقاولات ورصف الطرق الذين يعملون بلا أى إجراءات سلامة مهنية لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة.
تلك صور قد تبدو الشمس وارتفاع درجات الحرارة الفاعل الأصلى فيها، لكن هناك بلا شك عوامل مساعدة عديدة تتيح لها أن تكون أقوى أثرا وأسرع تأثيرا. البيوت الضيقة سيئة التهوية وأكوام النفايات فى الشوارع وتلال القمامة وما يصاحبها ويعيش فيها من حشرات. سوءات الصرف الصحى التى تعانى منها المدن قبل العشوائيات، نحن بلد مؤهل بجدارة للمركز الأول فى مسابقة البيئة الأسرع لانتشار العدوى إذا ما حلت الجائحة وتفشت الفاشية وفقا لمفردات منظمة الصحة العالمية!!
الأمر الأخطر الذى أفصحت عنه تلك الأزمة هو طبيعة العلاقة بين المواطن المصرى ووزارة الصحة. من الطبيعى فى كل بلاد العالم أن يتبع المواطن إرشادات وزارة الصحة ومسئوليها، حيث تتولى بصورة تلقائية إدارة الأزمة ومواجهتها، الأمر الذى يتطلب الشفافية فى إصدار البيانات وما بها من معلومات.
لكن عزيزى القارئ ماذا حدث حينما أصابتنا ضربة شمس؟
أعلنت وزارة الصحة عن عدد الوفيات والمصابين من جراء الموجة الحارة فى بيانات رسمية، لكن مصادر أخرى كثيرة خرجت لتؤكد أن عدد الوفيات أكثر من الذى جاء فى بيانات الصحة. الأكثر خطورة كان الحديث عن انتشار فيروس غامض وآخر للالتهاب السحائى أو الميرسا، تلك البكتيريا العنقودية الشرسة التى قد تغلق عند انتشارها المستشفى بأكمله نظرا لخطورة العدوى بها بين المرضى والعاملين على رعايتهم من أطباء وأطقم تمريض.
هناك أزمة ثقة واضحة بين القائمين على أعمال الشأن الصحى والمواطن المصرى. من البديهى أن تلك الضربة القاضية التى نالها الإنسان المصرى لن تتكرر إذا ما انقضت أيام السعير، لكن إذا ما كان فى الأمر نذر وباء يتخفى منا ونحن نتجاهله فتلك قضية أمن قومى.
نحن أمة تعيش أيام الخطر فانتبهوا لما يقال لكن اذكروا دائما أن الصدق وحده يبنى جسور الثقة ولا شىء غيره.