ظاهرة الاغتيالات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر.. بين ذريعة «التدبير الوقائى» والنزعة الانتقامية! - قضايا يهودية - بوابة الشروق
الخميس 19 سبتمبر 2024 2:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ظاهرة الاغتيالات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر.. بين ذريعة «التدبير الوقائى» والنزعة الانتقامية!

نشر فى : الأحد 15 سبتمبر 2024 - 6:10 م | آخر تحديث : الأحد 15 سبتمبر 2024 - 6:10 م

 فى أعقاب هجوم 7 أكتوبر، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بالإضافة إلى قادة الجيش والمؤسسة الأمنية تهديداتهم العلنية ضدّ قادة حركة حماس وكوادرها متوعدين بالوصول إليهم واغتيالهم فى كل مكان داخل فلسطين وخارجها، وقد شكّلوا لهذه المهمة وحدة استخبارية تنفيذية خاصة فى جهاز الأمن العام «الشاباك» حملت اسم «نيلى»، وقد دخلت هذه التهديدات حيّز التنفيذ منذ اليوم الأول للحرب، وطالت حتى اللحظة مجموعة كبيرة من القيادات السياسية والعسكرية لحركتى حماس والجهاد الإسلامى فى قطاع غزة، وامتدّت إلى خارجه باغتيال عضو المكتب السياسى لحركة حماس صالح العارورى فى بيروت مطلع العام 2024، ومن ثم اغتيال رئيس المكتب السياسى للحركة إسماعيل هنية فى طهران فى يوليو 2024.

صحيح أن المشترك فى كل هذه الاغتيالات هى وقوف إسرائيل خلفها لكن كان من اللافت أن يستخدم الجيش والمؤسسة الأمنية لفظة «سيكول ميموكاد» ــ (بالعبرية)، أى «إحباط موضعى»، سنطلق عليها فى هذه الورقة تعبير «اغتيال سياسى» للإشارة إلى هذه العمليات، كون هذا المصطلح شقّ طريقه فى الأدبيات العسكرية ــ الأمنية، وفى الخطابين السياسى ــ الإعلامى والقضائى فى إسرائيل فى الانتفاضة الثانية للدلالة على «تدبير وقائى» يتم تفعيله بهدف «إحباط التهديد ومنعه». هذه الورقة، تحاول الوقوف على جوهر هذا المفهوم وأهدافه، وصولا إلى ما بعد 7 أكتوبر، والتطورّات التى طرأت على هذا المفهوم.

ظهر مفهوم «إحباط موضعى» فى الخطابين الإسرائيلى السياسى ــ الإعلامى والقضائى فى بداية الانتفاضة الثانية عام 2000 عندما استخدمه نائب رئيس الشاباك فى حينه يوفال ديسكن، لتوصيف الاغتيالات السياسية، التى تختلف فى المنظور الإسرائيلى عن غيرها من عمليات القتل والإعدام من حيث: 1) وجود قرار سياسى. 2) إحباط «تهديد وشيك». 3) الاغتيال يحقّق «الردع» ويعزّزه بمعناه الشامل. 4) الاغتيال يؤدّى للإضرار بقدرات المنظمة أو الحزب أو تدميرها ويخدم «الردع» فى المنظور الاستراتيجى.

ورغم أن المفهوم المستخدم يعود لزمن الانتفاضة، فإن جذور هذه السياسة ممتدّة فى بنية المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية منذ العام 1948. وقد بدأ الخطاب الإسرائيلى يتناول هذه الظاهرة وتمييزها عن عمليات القتل اليومية فى أعقاب إصدار رئيسة الحكومة الإسرائيلية جولدا مائير أوامر للمستويين الأمنى ــ العسكرى فى أعقاب عملية ميونخ 1972، لملاحقة واغتيال المسئولين عن العملية حتى فى الدول الغربية الحليفة والصديقة لإسرائيل.

وعلى الرغم من أن المستوى الرسمى فى إسرائيل حاول الترويج لمقولة أن هذه العمليات لا تقوم بها إسرائيل بدافع الانتقام؛ وإنما يتم تنفيذها لتحقيق أهداف: «الإحباط والردع»، فإن رونين بيرجمان، يؤكد أن سلسلة العمليات التى انطلقت فى أعقاب ميونخ لم تستهدف فى الحقيقية الذين نفّذوا العملية؛ وإنما القيادة السياسية للمنظمة وحركة فتح فى أوروبا والشرق الأوسط، وقد حقّقت هذه الاغتيالات بحسبه أهدافًا استراتيجية مهمة، إلى جانب الانتقام: 1) تعزيز مكانة جهاز الموساد حول العالم. 2) دفع فصائل منظمة التحرير وحركة فتح تحديدًا إلى تجنّب تنفيذ هجمات ضد أهداف وأصول إسرائيلية فى ساحة أوروبا وحصر ذلك فى الشرق الأوسط حيث يسهل على إسرائيل مواجهتها. 3) أرسلت إسرائيل رسالة إلى جميع أعدائها بأن كل العالم ساحة مشروعة لتصفية كل «متورط ويداه مُلطّخة بدماء اليهود»، هذا الأخير، وبالنظر إلى الشخصيات التى تم اغتيالها، يُشير بشكل لا يدع مجالا للشك إلى أن الانتقام شكّل العصب المركزى فى دوافع هذه العمليات.

 • • •

 أثارت الاغتيالات التى طالت مئات الفلسطينيين وما تسبّبت به من ارتقاء مئات المدنيين نقاشات صعبة فى إسرائيل حول «أخلاقية» هذا الشكل القتالى والجدوى السياسية والعسكرية منه. بحسب المصادر الإسرائيلية، كانت نسبة «الأضرار الجانبية» خلال الانتفاضة عالية وتسبّبت حتى العام 2005 باستشهاد أكثر من 150 مدنيا فلسطينيا نتيجة الاغتيالات. فى أعقاب ذلك، تقدّمت بعض المنظمات اليسارية أمام المحكمة العليا بالتماسات ضد هذه السياسة التى تبنّتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كوسيلة رئيسية لمواجهة الانتفاضة. فى أعقاب ارتقاء 13 شهيدا وإصابة 140 آخرين عشرات الشهداء ومئات الإصابات فى عملية اغتيال القيادى فى حركة حماس صلاح شهادة، وتصريح قائد سلاح الجو فى ذلك الحين دان حالوتس بأن شعور الطيار فى هذه الحالة يكون مثل «ضربة طفيفة فى الجناح»، طالب أحد الالتماسات التى تم تقديمها للمحكمة العليا بفتح تحقيق جنائى وحرمان حالوتس من منصب رئيس هيئة الأركان فى المستقبل (لم يحصل ذلك). عمليًا، حُسم النقاش حول جدوى هذه السياسة من الناحية الأخلاقية والقانونية، أى بين من اعتبرها جريمة قانونية كونها فعليًا تمثّل «عملية إعدام دون محاكمة»، ومن ناقش «الأضرار الجانبية» المترتّبة عليها فى قرار المحكمة العليا الإسرائيلية فى ديسمبر 2006، الذى شرعن عمليًا هذا النوع من الاغتيالات بوصفه «تدبيرًا وقائيًا» فى أعقاب تقديم التماس ضدّ هذه السياسة من قِبَل منظمتين إسرائيليتين يساريتين.

من ناحية أخرى، دارت العديد من النقاشات حول الجدوى السياسية والعسكرية- الأمنية لعمليات «الإحباط الموضعى» فى المنظورين الآمنى والاستراتيجى. من ضمن الأسئلة مثل التى كان يسوقها التيار الداعى لتحصيل أكبر مكاسب استراتيجية عسكريا وسياسيا من الاغتيالات ــ بعيدًا عن نزعات الانتقام والتأثر بالضغط الشعبى الإسرائيلى: هل رحيل الشخص المستهدف سيُلحق بالفعل ضررًا لا يمكن إصلاحه للتنظيم أو الحزب؟ وهل اغتيال الشخص سيدفع الجهات الفلسطينية الأخرى للمرونة والذهاب نحو الخيارات السياسية؟ والسؤال الأخير الذى ينبغى طرحه هو هل البدائل المحتملة لهذه الشخصية أكثر اعتدالاً ومرونة؟ وهذا من جهة. من جهة أخرى، أُثير النقاش حول المخاطر المترتّبة على سياسة «الإحباط الموضعى» من حيث التسبب بردود فعل دموية كما حدث بعد اغتيال رائد الكرمى فى طولكرم خلال التهدئة.

 • • •

 منذ هجوم طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر، بدا وأن هناك سمات جديدة فى تفعيل الاغتيالات بذريعة «الإحباط الموضعى» والأهداف المرجوة من تفعيلها. فعلى الرغم من أن هناك اتفاقًا فى الخطاب الإسرائيلى بعد عقود طويلة من الاغتيالات التى شكّلت إحدى أهم أدوات المشروع على ضرورة أن تكون «سياسة الإحباط الموضعى» هى الحل الأخير عندما تنعدم بقية الحلول، وأن تفعيلها يجب أن يكون مدروسًا بشكل معمّق وليس كردّة فعل أو انتقام، ويأخذ بعين الاعتبار «البديل المحتمل» للشخصية التى يتم استهدافها، نشهد تفعيلًا لهذه السياسة منذ بداية الحرب على نطاق واسع وبدون أى إعارة للاعتبارات السابقة أو حتى الأهداف المرجوة من تفعيل هذه السياسة.

تتمثّل أولى هذه السمات فى انتقال الخطاب إسرائيل بكافة مستوياته من التعامل مع هذه السياسة بوصفها «تدبيرًا وقائيًا لإحباط تهديد ما»، ومن مناقشتها من حيث الجدوى العسكرية ــ الأخلاقية ــ القانونية كما كانت تدّعى على مدار العقود الماضية، إلى تفعيلها بوصفها إجراء انتقاميًا ضمن حرب الإبادة الجماعية المُغلّفة بادّعاءات «الحرب الوجودية» و«حرب الخير والحضارة ضدّ الشر والبربرية». يتأتى ذلك فى الدرجة الأولى من هدف إشباع الرغبة فى الانتقام التى غلبت على المجتمع الإسرائيلى وقيادته بشكلٍ شامل بعد 7 أكتوبر، ويأتى ذلك فى إطار السعى لـ «إغلاق الحساب» كما هو دارج فى الثقافة الأمنية ــ العسكرية الإسرائيلية.

لقد خرجت إسرائيل إلى الحرب على قطاع غزة وهى تضع نصب أعينها مسألة إعادة الاعتبار لمكانتها وردعها فى المنطقة، وليس أدلّ على ذلك من مقولة «إن كانت إسرائيل تريد العيش فى المنطقة، فعليها فعليًا إلقاء جثمان حركة حماس أمام الشرق الأوسط». إن الرغبة المدفوعة بالانتقام، تسعى إلى إبادة الأجيال الحالية لحماس والجهاد فى غزة وإحداث تحول فى هوية وتفكير هذه الحركات على المدى البعيد، وهو ما يُمكن قراءته فى التصريحات الإسرائيلية التى تؤكّد على ضرورة إحداث «تغيير أيديولوجى فى أوساط السكّان». من جهة ثانية، يُسهم ذلك فى تحقيق هدف وأد التجربة العسكرية ــ الأمنية فى قطاع غزة والحيلولة دون استنساخها أو تكرارها مرة أخرى سواءً فى غزة أو خارجها. من جهة ثالثة، يُمكن القول، إن الهدف من تفعيل سياسة «الإحباط الموضعى» التى تظهر فى هذه الحرب بوصفها أداة إبادة وقاعدة للسلوك العام، قتل الرواية عن أحداث 7 أكتوبر على طريق احتكار إسرائيل «حقيقة» ما حدث، وهو الأساس الذى بنت عليه إسرائيل «شرعية» لإطلاق حرب الإبادة ضد قطاع غزة، ويزيد من حدّة هذه السياسة وآثارها غياب الاستراتيجية الإسرائيلية الواضحة للحرب، بما فى ذلك الاغتيالات نفسها.

عبد القادر بدوى

المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار)

النص الأصلى

قضايا يهودية قضايا يهودية
التعليقات