التعليم.. السلاح الأهم الذى تمتلكه إسرائيل فى خطر - قضايا يهودية - بوابة الشروق
الأربعاء 23 أكتوبر 2024 12:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التعليم.. السلاح الأهم الذى تمتلكه إسرائيل فى خطر

نشر فى : الأربعاء 25 سبتمبر 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 سبتمبر 2024 - 7:50 م

رغم النجاحات الكبيرة التى حقّقتها إسرائيل فى مجال التطوير الرقمى والتكنولوجى على مختلف أنواعه، ولا سيّما التكنولوجيا الفائقة، بشكلٍ منحها ميزة كبيرة فى هذا المجال لاقت ترجمتها فى مجمل القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية الداخلية وعلاقاتها الدولية ومكانتها كـ «وادى السيلكون»؛ فإن الجدل حول قدرتها على الاستمرار فى التطور بمنحنيات مرتفعة ومستقرّة كما كانت عليه الحال فى السنوات الأخيرة باتت موضع تشكيك بالنظر، إلى الاعتبارات الديمغرافية والنمو السكانى للمجموعات المتعدّدة داخل المجتمع الإسرائيلى، وهذا ما تؤكّد عليه بعض الدراسات والأبحاث الصادرة عن مراكز ومعاهد أبحاث وجامعات ومتخصّصين فى هذا المجال.

 

يُعدّ التعليم إحدى الركائز الأساسية لبناء المجتمعات الدول وتطورها وضمان استمراريتها كذلك، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا «الأمن القومى»، واليوم، يساهم بشكلٍ حاسم فى القدرة على المنافسة فى عالم تكنولوجى متسارع ومتطور. فى إسرائيل، يبرز جدل كبير حول دور التعليم فى المرحلة الأساسية (التعليم الابتدائى) فى تحديد وجهة الدولة ومستقبلها، ليس فقط من ناحية تطوير الفرد؛ وإنما أيضا من ناحية قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية فى ظلّ نمو فئات سكانية تعتمد أنظمة تعليمية غير متناسبة مع متطلّبات سوق العمل المحلّية الإسرائيلية والعالمية أيضا. هذه المساهمة تُقدّم قراءة فى تقرير إسرائيلى بعنوان «السلاح الأهم الذى تمتلكه دولة إسرائيل فى خطر» للبروفيسور دان بن دافيد، الباحث الاقتصادى فى جامعة تل أبيب. إذ إن التقرير يُعد مثالاً على التوجهات التى تقارب التغيرات الديمغرافية والاجتماعية فى إسرائيل من منظور تأثيرها على وجود الدولة فى المدى البعيد.
يُشير بن دافيد إلى أن المعضلة الأساسية الخطيرة التى تواجهها إسرائيل تتمثّل فى أن نصف الأطفال فى إسرائيل يحصلون على تعليم مشابه للتعليم القائم فى «دول العالم الثالث»؛ حيث أولئك الأطفال الذى ينتمون إلى الفئات السكانية التى تنمو بشكل أسرع، وهو الأمر الذى قد يترتّب عليه ليس تحوّل إسرائيل إلى دولة فاشلة فى غضون بضعة عقود، بل إنها ببساطة ستواجه صعوبة فى الوجود!.
يُشير التقرير إلى أن قضية التعليم الأساسى والمواد التى يتعلّمها الطلبة الحريديم هى أكبر بكثير من النقاش الدائر، بل إنها تُشكّل حجر الأساس فى قضايا «الأمن القومى» فى إسرائيل، ولذلك لا ينبغى التقليل من شأن المعرفة والتعليم كسلاح يُمكنه مساعدة إسرائيل فى الحفاظ على وجودها، إذ إن هذه المعرفة هى التى تسمح اليوم لإسرائيل بالتصدّى للتهديدات الصاروخية على نطاق لم يسبق له مثيل فى التاريخ، وهى نفسها التى مكّنت إسرائيل أيضا من القيام بعملية تفجير الأجهزة اللاسلكية فى لبنان بشكلٍ متزامن، وهى التى كان من المفترض أن تكون عصية على الاختراق بعكس الهواتف الذكية.
يستعرض الكاتب بالمعطيات التفصيلية نتائج لاختبار الـ PISA منذ العام 2006 وحتى آخر اختبار، ويدّعى أن النتائج تُشير إلى تدنّى إنجاز الطلبة الإسرائيليين فى مجالات أساسية كالرياضيات والعلوم خلال الفترة المذكورة مقارنةً ببقية الدول المتقدّمة، حيث لا يتلقّى الطلبة الحريديم أى مواد منها ولا يتقدّمون للامتحانات، وهو ما يجعل متوسط الطلاب الإسرائيليين أقل من هذه الدول. ووفقاً لمتوسط جميع النتائج فى اختبارات PISA فى السنوات 2006-2022، فإن الطلاب فى النظام التعليمى «الرسمى ــ اليهودى» يتواجدون فى مكانة أقل من دول منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الـ OECD، أما الطلاب فى النظام التعليمى «الرسمى الدينى» فأقل من 80% من دول الـ OECD.
• • •
يؤكّد بن دافيد أن العامل الحاسم الذى يعزّز هذه الظاهرة هو وضع التعليم فى المجتمع الحريدى أو، بشكل أدق، القيادة الحريدية التى تمنع أبناء الطوائف الحريدية بواسطة نفوذها وقدرتها السياسية من أى معرفة أو تعليم ذى صلة بسوق العمل العالمية وبالديمقراطية الليبرالية، وتمنعهما من الوصول إلى أبنائهم، فى المقابل، يُشكل معدل الخصوبة لدى السكان الحريديم أعلى بحوالى ثلاثة أضعاف من معدل الخصوبة لدى اليهود العلمانيين، اليهود التقليديين، العرب، المسيحيين، وكذلك الدروز، حيث يبلغ هذا المعدّل ضعفى معدل الخصوبة لدى المسلمين مثلاً، وأعلى بثلثين من معدل الخصوبة لدى اليهود المتدينين غير الحريديم. يؤكّد بن دافيد أنه يترتّب على هذه الفجوات، تضاعف نصيب السكان الحريديم فى إجمالى سكان إسرائيل كل 25 عاما، أى كل جيل. وبينما يشكّل الحريديم الذين تتراوح أعمارهم بين 50-54 عاما اليوم 6% من عدد السكان؛ فإن أحفادهم الذين تتراوح أعمارهم بين 0-4 سنوات يُشكّلون ما نسبته 26% من إجمالى الأطفال فى إسرائيل، وعليه، كلّما استمرّ تزايد نسبة الأولاد الحريديم الذين لا يتعلمون المواد الأساسية ولا يشاركون فى الامتحانات بشكل أسرع، فإن متوسط الطلاب الإسرائيليين المشاركين فى اختبارات PISA الذى هو بالفعل اليوم أقل من كل الدول المتقدمة، سيعكس أقل فأقل مستوى المعرفة الحقيقى لجميع الطلاب.
بناءً على ما عُرض أعلاه، يؤكّد التقرير أن الحكومة يجب أن تُغيّر الاتجاه. وعلى الرغم من أن الفرصة ما تزال قائمة؛ إلّا هناك نقطة لا عودة ديمغرافية ــ ديمقراطية، سيكون بعدها من المستحيل تمرير القوانين التى كان يصعب تمريرها منذ زمن طويل. لذلك، على دولة إسرائيل أن تدرك حجم الخطورة التى ينطوى عليها الوضع الحالى وفقا للمعطيات المقدّمة، وكذلك سرعة التغيرات التى تطرأ. إن دولة إسرائيل، كما يقول بن دافيد، بحاجة إلى حكومة تستبدل التصورات والرؤى القطاعية والشخصية بالأولويات القومية، وأن تكون قادرة على التمييز بين القضايا السطحية وبين المشاكل الجذرية التى تتطلّب تدخلاً علاجيا فوريا؛ حكومة تتمتّع بالمسئولية والشجاعة وتضع جانبا كل قضايا يمين ــ يسار، متدينين ــ علمانيين، عرب ــ يهود، وتعمل على التدخل لإنقاذ إسرائيل من الغرق، وهذا الأمر ما يزال ممكنا ويجب أن يكون «أمر الساعة» بالنسبة إلى جميع الإسرائيليين.
• • •
من خلال هذه القراءة، نستطيع أن نرى أن التعليم فى إسرائيل يتجاوز كونه مجرد قضية داخلية تتعلق بتحصيل الطلاب أو تنمية الفرد. إنه، بحسب هذا الباحث، قضية وطنية ترتبط بوجود الدولة واستمراريتها. وبرأيه، تتطلب هذه الأزمة التعليمية «حلولاً جذرية ومبادرات شجاعة من قبل الحكومة، التى يجب أن تتبنى رؤية وطنية شاملة تتجاوز المصالح الفئوية وتعمل على تحسين مستوى التعليم لجميع الفئات السكانية. فبدون هذه الإصلاحات، قد تواجه إسرائيل تحديات غير مسبوقة قد تهدد ليس فقط وضعها كدولة متقدمة، بل حتى وجودها ذاته».
بطبيعة الحال، لا يُمكن تجاهل البُعد الاستشراقى الذى يعجّ به التقرير الذى استعرضنا أبرز ما جاء فيه أعلاه، ولكن فى جوهر القضية المطروحة يبرز التحليل المُعمق لأزمة التعليم فى إسرائيل وأن التحديات التعليمية ليست مجرد قضايا تربوية أو اقتصادية فحسب؛ بل ترتبط ارتباطا وثيقا بمستقبل «وجود الدولة وأمنها القومى». فإن استمرار الفجوات التعليمية بين المجموعات المختلفة، وغياب المواد الأساسية عن قطاعات كبيرة من هذه المجموعات، سيضع مستقبل إسرائيل ووجودها على المحك، كما أكّد معدّ التقرير؛ حيث إن التغييرات الديمغرافية تُظهر بوضوح إسقاطاتها المستقبلية التى قد تؤدى إلى مخاطر وجودية تهدّد بقاء الدولة، ما لم يتم اتخاذ خطوات إصلاحية جذرية وعاجلة، وهو الأمر الذى عبّر عنه بن دافيد بضرورة «إيجاد حكومة إسرائيلية قادرة على تجاوز الانقسامات السياسية والمجتمعية لتبنى استراتيجيات تعكس الأولويات القومية الكبرى لدولة إسرائيل وضمان مستقبلها ومواكبتها وتطورها فى ظل تحديات أمنية واقتصادية آخذة فى التسارع».

 

عبدالقادر بدوى
المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية (مدار)

النص الأصلى
https://shorturl.at/mhNub

قضايا يهودية قضايا يهودية
التعليقات