الغرباء بيننا - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 3:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الغرباء بيننا

نشر فى : السبت 15 أكتوبر 2011 - 8:35 ص | آخر تحديث : السبت 15 أكتوبر 2011 - 8:35 ص

أكثر الناس تفاؤلا لم يكن يتوقع أن تبلغ المرحلة الانتقالية درجة التحول الديمقراطى المنشود، خلال شهور أو خلال سنوات قليلة.. وحين تقدم الجيش إلى حماية الثورة، وأصبح شريكا أو ضامنا لها، لم يملك الرؤية السياسية الكاملة للمستقبل، ولم يكن شباب الثورة أنفسهم على وعى بحجم المشكلات التى يتحتم مواجهتها. وكانت النتيجة اختيار حكومة لا تملك مقاليد السلطة كاملة ولا الإرادة لإدارة أهداف الثورة.. ولم تكن هذه الحكومة غير حكومة عصام شرف.

 

هناك إذن مجموعة من العوامل التى أدت إلى فشل إدارة المرحلة الانتقالية، ليس بطلها الوحيد هو عصام شرف. ولكن يشاركة المجلس العسكرى، وينضم إليه الناشطون من أبناء الثورة فى عدد من التحالفات والتنسقيات يصعب حصرها. وعندما وقعت مسيرة الأقباط الغاضبة من شبرا إلى ماسبيرو، لم تكن سرا مفاجئا لأحد. فقد أعلن عنها قبلها بيومين للاحتجاج على حادث هدم كنيسة إدفو وعدم تلبية مطالبهم بإقالة المحافظ وإعادة بناء الكنيسة التى هدمت بغير الطرق القانونية، ولم تحرك الحكومة والمجلس العسكرى ساكنا. مما اعتبر فى نظر الأقباط تكرارا لحالة يائسة لا رجاء فيها!

 

الكنيسة تقول إن غرباء اندسوا وسط المتظاهرين، فحولوا المظاهرة من الهدوء إلى العنف. واستفزوا الجيش إلى ردود فعل عنيفة. وهو أمر  مفهوم حين تشتعل الأعصاب فى مواجهات دامية يسقط فيها قتلى وجرحى من الطرفين.

 

ولكن المؤتمر الصحفى الذى بادر الجيش إلى عقده متأخرا لشرح ملابسات الصدام كما وقع من وجهة نظره، أزاح كثيرا من الشكوك والشبهات التى تلقى اللوم على بعض قيادات دينية متعصبة، هى التى وجهت جموع المتظاهرين من الأقباط إلى ماسبيرو، يلوحون بتهديدات بالعنف. وحدث ما حدث من صدام دموى، أسىء فيه استخدام المركبات الثقيلة للجيش فى مناظر مؤلمة، لا تستطيع أن تميز فيها بين القاتل والقتيل.

 

صحيح أن قوات الجيش المحيطة بمبنى التليفزيون لا تحمل غير أسلحة خفيفة لمكافحة الشغب. ولكن الأسلحة البيضاء التى كان يحملها المتظاهرون من عصى وسنج وسيوف.. اصطنعت معركة دامية. ومن الواضح أن الخطأ الأساسى الذى وقع من جانب الجيش هو إقدامه على وضع مدرعات ومركبات ثقيلة، وتعريض جنود للخطر ليست مهمتهم مكافحة الشغب ولكن القتال فى ميادين الحرب ضد العدو.

 

هناك حقائق لابد من التسليم بها.. وهى أولا: أن عجز الحكومة عن مواجهة الموقف وعدم الاستعداد له، ليس خطأ شرف وحكومته وحدهما ولكن خطأ المنظومة الحاكمة كلها التى تحمل المسئولية. إذ توجد ثغرات ومواطن ضعف بالغة فى الأجهزة الأمنية والوقائية، وفى مدى احترام الشعب لهيبة الشرطة نتيجة أوضاع لا يد لشرف فيها! وقد يخفف اعتذار المجلس العسكرى من وطأة الحادث ولكنه لا يقضى على ذيول الأزمة.

 

وثانيا أن حجم العنف الدينى والتعصب الطائفى ــ وهو ظاهرة ليست بنت اليوم ــ قد تفاقم فى الشعب المصرى بدرجة مخيفة منذ قيام الثورة. ولا يقتصر هذا العنف على التيارات الإسلامية التى كانت مكبوتة لزمن طويل أو تلك التى تأثرت بالهجرة العكسية من الجزيرة العربية، ولكنها امتدت إلى جموع من الأقباط الذين لا يجدون ملاذا لهم إلا فى أحضان الكنيسة وقياداتها المتشددة أو فى التجمعات المهاجرة للخارج!

 

ثالثها أن الطريق الذى اختاره العسكريون للعودة إلى الديمقراطية، يبدو طويلا وشاقا ومعقدا، بالمقارنة مع الطريق الذى سلكته تونس.. لا يتحمل المواطن المصرى أعباءه فى ظل تدهور مستمر للأوضاع الاقتصادية. ولا يحتمله العسكريون أنفسهم من كثرة اللجج والخلاف الذى تثيره النخب السياسية.

 

لقد قدم وزير المالية استقالته وقيل إنه عدل عنها بعد رفض المجلس العسكرى للاستقالة. وربما لقيت هذه الاستقالة تشجيعا من الكثيرين، الذين طالبوا أيضا باستقالة رئيس الوزراء ووزير الإعلام ومحافظ أسوان.. وبعضهم طالب باستقالة الحكومة كلها وتعيين حكومة جديدة.

 

ولكن يغيب عن إدراك هؤلاء أن البديل الوحيد هو استيلاء العسكريين كلية على الحكم. وهو ما يرفضه العسكريون بشدة.. وإذا تركنا لمعاول الهدم أن تمتد إلى كل شىء فى أركان البناء، فالأفضل أن تبقى هذه الوزارة «ملصّمة» لتكمل مهمتها حتى إجراء الانتخابات. وإلا وجدنا أنفسنا فى نفق جديد يتأجل فيه كل شىء، من الانتخابات إلى الدستور إلى انتخاب الرئيس.. والله أعلم.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات