انتفاضة ثالثة أم وضع جديد - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتفاضة ثالثة أم وضع جديد

نشر فى : الخميس 15 أكتوبر 2015 - 10:05 ص | آخر تحديث : الخميس 15 أكتوبر 2015 - 10:05 ص

حدث ذلك فى ديسمبر 1987. كان قادة قيادة المنطقة الوسطى مقتنعين بأن موجة أعمال الشغب التى اندلعت فى يهودا والسامرة [الضفة الغربية] وقطاع غزة ستمر بسرعة، بيد أن الاضطرابات استمرت لسنوات وأطلقت عليها [لاحقا] تسمية «انتفاضة». وحتى عندما اندلعت الانتفاضة الثانية فى سبتمبر 2000، كان التقدير هو أن الهدوء سرعان ما سيعود كما جرى فى أعقاب أحداث نفق الحائط الغربى فى العام 1996، وذكرى «يوم النكبة» فى مايو من ذاك العام. لكن الانتفاضة الثانية استمرت أكثر من أربعة أعوام، وحصدت أكثر من ألف ضحية من الإسرائيليين. وفى سياق هذا التاريخ، لا عجب أن يكون السؤال الكبير المطروح هذا الأسبوع فى المؤسسة الأمنية هو هل إن الموجة الأخيرة من الهجمات بداية انتفاضة ثالثة؟ وعلى الرغم من أنه تجاه الخارج، تكمن المصلحة الإسرائيلية فى إعلان أن «الأمر لا يتعلق بانتفاضة»، وعمليا يجرى الحديث عن «وضع جديد» لا يعرف أحد كيف سيتطور. وفى التحليلات الجارية فى المؤسسة الأمنية تطرح بضعة أسباب قد تكون مؤشرا على موجة مهمة قد تستمر لفترة طويلة، وفى المقابل تساق حجج تبرر القول إنه برغم كل شىء، فهذه ليست انتفاضة.

لماذا نعم ــ هذه انتفاضة؟

• دافع دينى قوى: أحد الأسباب لأن تكون موجة الهجمات الأخيرة خطيرة بنوع خاص وأنها قد تستمر لفترة طويلة هو الدافع الدينى. قليلا ما يتكلمون عن هذا الأمر فى وسائل الإعلام الإسرائيلية، لكن العالم العربى غاضب جدا جراء شائعات مفادها أن إسرائيل تعمل على تغيير الوضع القائم فى جبل الهيكل [الحرم القدسى الشريف]. وتتغذى هذه الموجة من التحريض الواعى الذى يمارسه أبو مازن وجماعته. وقد تسبب مثل هذا التحريض بسفك الدماء فى الماضى، فقد اندلعت اشتباكات العام 1929 [ثورة البراق] عندما خشى العرب أن يغير اليهود الوضع فى جبل الهيكل برعاية الانتداب البريطاني؛ وكانت الشرارة التى أطلقت الانتفاضة الثانية زيارة أريئيل شارون للحرم القدسى. وفى الأسابيع الأخيرة، ألهبت فضائية «الجزيرة» الشارع الفلسطينى بالموضوع نفسه. وما دام هذ الموضوع مطروحا على جدول أعمال الجمهور الفلسطينى، فسيبقى الوضع متوترا. إحصائيا: أيضا استخراج نتائج «مريحة» من معطيات الهجمات، فإنه لا يسعنا تجاهل الزيادة بنسبة 10% فى عدد حوادث العنف فى الأسابيع الأخيرة فى مختلف أنحاء يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، وكذلك داخل الخط الأخضر. فى قطاع غزة لا يدل إطلاق الصواريخ الأخير باتجاه أسدود والنقب الغربى على توجه معين لأن حركة «حماس» هناك مشغولة فى المقام الأول بمواجهة المجموعات المحلية التى تعلن ولاءها لتنظيم «داعش». ولكن فى المقابل، فى مختلف أنحاء يهودا والسامرة، تسعى الحركة إلى إشعال المنطقة وتشجيع تنفيذ هجمات.

• عمليات تنظيم أولية: فى التحليلات التى أجراها هذا الأسبوع كل من الجيش الإسرائيلى وجهاز «الشاباك»، ظهر قلق من أن يكون نمط «الإرهابى المنفرد» الذى شهدناه أخيرا، حل محله فى بعض الحالات خلايا منظمة خططت سوية لتنفيذ هجوم ونفذته بسرعة كبيرة. والجانب الإيجابى فى الأمر هو أنه من الأسهل جمع معلومات استخباراتية عن خلايا مقارنة بمخرب منفرد لا أحد يعلم ماذا يدور فى رأسه قبل أن يتناول سكينا أو بلطة. وفى جهاز «الشاباك»، هناك معطيات تتحدث عما لا يقل عن خمسين هجوما جرى إحباطها فى الفترة الأخيرة. وحتى لو لم يكتشفوا خلية ما مسبقا، فهذا يحدث بسرعة فائقة فى ما بعد. وهكذا استطاعت الجهات الأمنية فى غضون يوم واحد أن تصل إلى معرفة مرتكبى الهجوم الذى حدث شرقى نابلس، ونفذت القوات الخاصة التابعة للشرطة والوحدة العملانية لجهاز «الشاباك» عملية اعتقال أحد المخربين، الذى أصيب خلال الهجوم.

وهناك نقطة أخرى مثيرة للقلق: يشترك فى أعمال الشغب العديد من الأطفال، وهؤلاء لا يذكرون أحداث الانتفاضة الثانية ولا يدركون الثمن الباهظ الذى دفعه الفلسطينيون فى أعقابها.

• ضعف السلطة الفلسطينية: تجرى أحداث الأيام الأخيرة على خلفية ضعف نسبى للسلطة الفلسطينية. ويضغط المناخ العام على رجال شرطة فلسطينيين كثر حتى لا يكونوا «متعاونين» مع إسرائيل. هل يؤدى ذلك إلى عجز فى الميدان؟ فى حالات معينة يبدو أن الإجابة هى نعم. وحتى لو كانت الإجابة لا، فإن حقيقة أن معظم الذين تعتقلهم السلطة الفلسطينية فى يهودا والسامرة [الضفة الغربية] يتم الإفراج عنهم بسرعة، تبعث برسالة مفادها أن التصدى للهجمات لا ينفذ بحزم كبير.

• دوامة التصعيد: لا يمكن فصل أحداث الأسابيع الأخيرة عن الاعتداء بالحرق ضد أبناء عائلة الدوابشة فى قرية دوما، فقد سرع الاعتداء موجة الهجمات ودوامة التصعيد التى قد تستمر فى الاشتداد. وتبعا لذلك، فإن جزءا كبيرا من الجهد الذى يقوم به جهاز «الشاباك» فى هذه الأيام موجه لمنع اعتداءات ينفذها يهود، وليس فقط لمنع هجمات فلسطينية.
لماذا كلا – هذه ليست انتفاضة؟

• السيطرة على الأرض: إن الفارق الجوهرى بين أحداث أكتوبر 2015 وأكتوبر الأسود فى بداية الانتفاضة الثانية قبل 15 عاما، هو أن قوات الأمن تعمل اليوم بحرية فى كل نقطة من أنحاء يهودا والسامرة. وهكذا، لم يتطلب دخول وحدة المستعربين إلى مستشفى فى نابلس للقبض على المخرب الذى أصيب خلال عملية قتل الزوجين هنكين، تغطية بالدبابات والطائرات. إبان الانتفاضة الثانية، فى المقابل، احتاج الجيش الإسرائيلى و«الشاباك» إلى فترة طويلة قبل أن ينجحا فى السيطرة على مراكز المدن الفلسطينية فى أعقاب عملية «السور الواقى». كذلك، فإن السيطرة التى تحققت آنذاك كانت جزئية فقط. لقد اندلعت الأحداث الأخيرة على الرغم من أن الجيش الإسرائيلى و«الشاباك» يعملان بشكل متواصل ضد الخلايا الإرهابية. وفى كل عام من الأعوام الأخيرة جرى توقيف ما بين 2000 و3000 فلسطينى، وحكمت محاكم إسرائيلية على أكثر من 80% منهم بالسجن لبضعة أشهر على الأقل. وفى أعقاب الهجمات فى الأيام الأخيرة، جرى تسريع العملية، ونفذت هذا الأسبوع عشرات الاعتقالات فى كل ليلة. واستهدفت عمليات الاعتقال أيضا التوصل إلى طرف خيط يسمح بجمع معلومات حول الخلايا الإرهابية الجديدة. إحصائيا: الخلاصة أن البيانات الإحصائية تؤكد حجة أنه حتى الآن على الأقل، لا يتعلق الأمر بانتفاضة. وبرغم الزيادة بنسبة 10% فى عدد الهجمات اخيرا، فلم تسجل حتى الآن أعمال شغب جماهيرية يشارك فيها آلاف الأشخاص كالتى ميزت الانتفاضتين الأولى والثانية، ولم تنفذ عمليات تفجير أو عمليات انتحارية كالتى أدت إلى سقوط العدد الأكبر من القتلى فى الانتفاضة الثانية.

وأيضا، فى هذا الأسبوع، شارك فى معظم أعمال الشغب فقط بضع عشرات من الشبان على الأكثر. أما التظاهرات التى جرت داخل الخط الأخضر، مثل التظاهرة الكبيرة فى مدينة يافا هذه الأسبوع، فقد نظمها الجناح الشمالى للحركة الإسلامية، وهى لا تعكس رغبة حقيقية لدى جزء كبير من السكان العرب فى خرق الهدوء السائد داخل الخط الأخضر منذ أكثر من عشرة أعوام.

• مصلحة السلطة الفلسطينية: هناك سبب إضافى فى أنه لا مجال للمقارنة بين الأحداث الأخيرة والانتفاضتين الأولى والثانية، وهو حقيقة أن السلطة الفلسطينية ليست معنية بالفعل بموجة هجمات واسعة النطاق. ويخشى أعضاء حركة «فتح» أكثر من كل شىء سيطرة حركة «حماس» على يهودا والسامرة على غرار ما حدث فى قطاع غزة، وهذا هو السبب الرئيسى الذى يفسر استمرار تعاونهم مع قوات الأمن الإسرائيلية أيضا خلال هذا الأسبوع، فهذا الأمر يخدم مصلحتهم فى المقام الأول. وفى المؤسسة الأمنية، قاموا بتحليل معمق لتصريحات أبومازن الأخيرة، وتوصلوا إلى استنتاج أنه غير معنى بانتفاضة ثالثة ويحاول كبح اندلاعها، على عكس ياسر عرفات الذى تكلم بالإنجليزية حول السلام وعمل على الأرض لإشعال الانتفاضة الثانية.

«وضع جديد»

بعد جلسة المجلس الوزارى الأمنى المصغر، اجتمع رئيس الحكومة ووزير الدفاع مع قادة الجيش الإسرائيلى فى قيادة منطقة يهودا والسامرة، وتحدثوا عن تصد حاسم لموجة الإرهاب. لكن، فعليا، سيكون الوزير «يعلون» مستعدا لإعطاء تعليمات تفضى إلى «استيعاب» الأحداث وليس إلى مفاقمة دوامة التصعيد. يجرى تعزيز القوات على الأرض ويجرى الحديث فى القيادات عن «وضع جديد»، وليس عن انتفاضة. إن المشكلة الكبيرة من وجهة نظر إسرائيل هى أن «الوضع الجديد» والهجمات غير المنقطعة، تمس بشكل خطير إحساس الجمهور الإسرائيلى بالأمن، ولا سيما فى مدينة القدس، من دون أن يدفع الفلسطينيون أى ثمن دولى لاستخدامهم العنف. وقد يصير هذا الأمر وضعا مرغوبا فيه بالنسبة لهم مع مرور الوقت. وفى مدن المنطقة الوسطى بدأ الجو يصبح متوترا، وسيزداد الضغط على القيادة السياسية لكى تحزم أمرها.

يتبين من تحليل مجمل المعطيات أن هناك فرصا غير قليلة للقضاء على موجة العنف قريبا، لكن أيضا يمكن فى حال استمرار الاضطرابات فى محيط الحرم القدسى الشريف، ولا سيما فى حال هجوم ينفذه فلسطينى أو يهودى، ويوقع إصابات كثيرة، أن يتغير الوضع من أساسه. حينئذ، لن يعود هناك حاجة للسؤال هل بالفعل اندلعت انتفاضة ثالثة.

عمير رابوبورت - محلل عسكرى

مكور ريشون

نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات