إلى عرفات الله - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى عرفات الله

نشر فى : الإثنين 15 نوفمبر 2010 - 10:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 نوفمبر 2010 - 10:25 ص
من المفارقات الطريفة أن القصيدة التى كتبها شوقى عام 1910 معتذرا للخديوى عباس حلمى عن تهربه من الاستجابة لدعوته له بمصاحبته فى أداء فريضة الحج، أصبحت هى الأغنية الأشهر فى التعبير عن مشاعر المسلمين ورغبتهم العارمة فى الفوز بالمشاركة فى أداء هذه المناسك واستكمال أركان الإسلام طوال المائة عام الماضية.

فشوقى قد صرح فى قصيدته «إلى عرفات» بأن الخديوى قد خيره بين السفر بسفينة البحر أو مطية البر، لكنه اعتذر متعللا بضعفه وداعيا له بأن يذهب ويعود سالما:

دعانى إليك الصالح (ابن محمد) فكان جوابى صالح الدعواتِ
وخيرنى فى سابحٍ أو نجيبةٍ إليك فلم أختر سوى العبراتِ
وقدمت أعذارى وذلى وخشيتى وجئت بضعفى شافعا وشكاتى

أما بيت القصيد الذى يوضح السبب الحقيقى فى إحجام شوقى عن الذهاب لأداء الفريضة، فهو البيت القائل:

ويا ربِّ،هل تُغْنى عن العبد حَجَّةٌ وفى العمر ما فيه من الهفواتِ؟

وعلى الرغم من أن أبرز ما يميز هذه القصيدة هو صدق الاعتراف بالضعف الإنسانى وعدم ادعاء الملائكية، فإن شوقى لم يترك فضاء النص مفتوحا أمام المتلقى ليفسر حجم وطبيعة هذه «الهفوات» وفقا لتخيله، حيث أعقب البيت السابق بتسعة أبيات تتجاوز الحديث عن الهفوات مشيرة إلى خصاله الكريمة التى تتفق وجوهر الإيمان، ومنها قوله:

وتشهد ما آذيت نفسا، ولم أضِرْ ولم أبغِ فى جهرى ولا خطراتى
ولا بِتُّ إلا كابن مريم، مشفقا على حُسَّدى، مستغفرا لعداتى
وإنى ـ ولا مَنٌّ عليكَ بطاعةٍ أُجلُّ وأغلى فى الفروض زكاتى
أبالغ فيها وهى عدلٌ ورحمةٌ ويتركها النسَّاكُ فى الخلواتِ

لكن البيت اللافت للنظر فى مجموعة الأبيات السابقة التى يبرهن فيها شوقى على عمق إيمانه، هو البيت القائل:

ولا حملت نفسٌ هوى لبلادها كنفسى، فى فعلى، وفى نفثاتى
حيث يرفع شوقى حب الوطن إلى مستوى فرائض الإيمان، متفاخرا بأنه الأخلص فى هذا المجال قولا وفعلا.
على أن قصيدة شوقى التى تتألف من 63 بيتا تضم كثيرا من الأبيات الباردة فى مديح الخديوى ووصف موكبه، وكل هذه الأبيات تجاوزها رامى الذى اختار 25 بيتا فقط قام بتلحينها رياض السنباطى وتغنت بها أم كلثوم لأول مرة فى 6/12/1951، وأخرجها أحمد بدرخان للتليفزيون عام 1963، ليبقى لنا العمل الخالد الذى نعرفه جميعا ونذوب فى رحابه كلما استمعنا إليه.

وقد قام رامى بإجراء تعديلات طفيفة فى بعض الأبيات التى اختارها لسببين: الأول الخروج بالنص من الخاص إلى العام، حيث قام بتعديل مطلع القصيدة من «إلى عرفات الله يا ابن محمد» ليصبح «إلى عرفات الله يا خير زائر»، كما قام بتغيير قول شوقى «إذا زرت يا مولاى قبر محمد» ليصبح «إذا زرت بعد البيت قبر محمد»، وبهذا جرد نص الأغنية من براثن المديح ليصبح صالحا للتعبير عن كل حاج.

أما السبب الثانى فيتمثل فى اختيار ألفاظ أكثر مناسبة للغناء حيث تحولت كلمة «العرصات» فى قول شوقى «لبيتٍ طهورِ الساحِ والعرصات» إلى «الشرفات»، وكلمة «أرى الناس أصنافا» إلى «أفواجا»، وتحول حرف الجر «مع» فى قول شوقى «وفاضت مع الدمع العيون مهابة» إلى «من الدمع». أما التغيير الأخير فقد كانت تتلاعب به أم كلثوم أثناء الغناء حيث تقول مرة «وفى العمر ما فيه من الهفوات» وفقا لنص شوقى، وتقول أخرى «من الغفوات» تهوينا لوقع الكلمة على نفس المتلقى فى هذا السياق الدينى.

وقد اتفق رامى مع شوقى فى الإبقاء على الأبيات السبعة الأخيرة من القصيدة كما هى، على الرغم من أنها تتحدث عن حاضر المسلمين تأكيدا للشعور الوطنى القوى وهى:

فقل لرسول الله: يا خيرَ مرسلٍ أبثُّكَ ما تدرى من الحسراتِ
شُعوبُك فى شرق البلاد وغربها كأصحاب كهفٍ فى عميق سباتِ
بإيمانهم نورانِ: ذكرٌ، وسُنَّةٌ فما بالهم فى حالك الظلماتِ؟
وذلك ماضى مجدهم وفخارهم فما ضَرَّهم لو يعملون لآتى؟
وهذا زمانٌ،أرضُهُ وسماؤهُ مجالٌ لمقدامٍ كبيرِ حياةِ
مشى فيه قوم فى السماء، وأنشئوا بِوارجَ فى الأبراجِ ممتنعاتِ
فقل: رَبِّ وفق للعظائمِ أُمَّتى وزيِّن لها الأفعالَ والعزماتِ

وقد حذفت أم كلثوم بعد الحفل الأول الأبيات من الرابع إلى السادس لتصبح الأغنية 22 بيتا فقط، حتى لا يطغى الحس الوطنى المعاصر على الشعور الدينى المتأجج فى تلك المناسبة الفريدة التى لا تأتى إلا مرة فى العام، وكل عام وأنتم بخير.
التعليقات