فى الوقت الذى اتجهت فيه أنظار المهتمين بالشأن الليبى إلى العاصمة الروسية موسكو التى احتضنت جولة مفاوضات بين طرفى الخلاف الأساسيين فى ليبيا، تحدث الرئيس دونالد ترامب مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حول سبل المساعدة فى وقف الاقتتال الداخلى فى ليبيا.
ووسط ما تشهده علاقات واشنطن بمنطقة الخليج العربى من شد وجذب وتصعيد وعمليات عسكرية، لم تهتم واشنطن إلا قليلا بالساحة الليبية، وميز اهتمامها ارتباك لا تخطئه عين أى مراقب للسياسة الخارجية الأمريكية.
***
وبسبب تدهور الأوضاع فى ليبيا وجه 13 عضوا من لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب رسالة إلى وزير الخارجية مايك بومبيو يطالبونه فيها بإعلان رفض واشنطن الواضح لهجوم الجيش الليبى بقيادة خليفة حفتر على طرابلس.
وذكر بيان الأعضاء أن خطوة الاتصال الهاتفى بين الرئيس دونالد ترامب وخليفة حفتر فى منتصف إبريل الماضى أدت إلى شكوك بموقف الولايات المتحدة بعدما عبر ترامب عن دعمه لـ«دور حفتر فى مكافحة الإرهاب».
وبعد أيام من بدء قوات الجيش الليبى فى إبريل الماضى هجومها المستمر فى محاولة لم تنجح فى السيطرة على طرابلس، مقر حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، تحدث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع المشير حفتر، واعتبرت بعض الأطراف هذه المكالمة بمثابة مشاركة أمريكية لخطوت المشير التصعيدية، إلا أن بيانا صدر عن البيت الأبيض وتبعه بيانات من الخارجية الأمريكية أكدت كلها على أن ترامب تحدث عن «جهود مكافحة الإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار فى ليبيا».
وفى نفس الاتجاه قدم أربعة أعضاء من مجلس النواب مشروع قرار رقم 4644 ويسمى «قانون استقرار ليبيا» قبل نهاية شهر أكتوبر الماضى، ويهدف القرار إلى التأكيد على أن سياسة الولايات المتحدة تجاه ليبيا تدعم التوصل لحل دبلوماسى للصرع فى ليبيا، وأن واشنطن تدعم الشعب الليبى».
***
يؤدى تزايد النشاط العسكرى الروسى فى غرب ليبيا، وذلك بالتنسيق مع الجانب المصرى كما يعتقد الكثير من الخبراء فى واشنطن، لانزعاج كبير فى الدوائر الأمريكية، يمكن الفصل بين هذا الانزعاج وبين رغبة واشنطن فى وقف الاقتتال الداخلى والتوصل لاتفاق لوقف النار.
وجمع اجتماع مهم الشهر الماضى بين دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين كبار والجنرال الليبى خليفة حفتر وهو ما أشار إلى قلق واشنطن البالغ إزاء «استغلال روسيا للنزاع على حساب الشعب الليبى» كما يعتقد مسئول أمريكى تحدثت معه.
لكن القلق الأمريكى الحقيقى بخصوص الشأن الليبى ينبع من خوف واشنطن من توافر بيئة مشجعة للجماعات الإرهابية داخل ليبيا بسبب الانقسام السياسى والعسكرى بين الرفقاء الليبيين، وذلك على العكس مما يراه حلفاء واشنطن الإقليميين، ولواشنطن خبرة أليمة تمثلت فى قتل جماعات إرهابية سفيرها فى قنصلية بلاده ببنغازى فى سبتمبر 2012.
***
وأدى إسقاط طائرة مراقبة بدون طيار أمريكية على يد قوات حفتر إلى تقديمها اعتذارا قويا بعدما عبرت إدارة ترامب عن غضبها من الخطوة وقلقها من أن تكون روسيا وراء دفع حفتر لهذا العمل التصعيدى ضد واشنطن.
كما أشارت تقارير أمريكية عدة إلى استعانة الجنرال حفتر بمئات من المقاتلين الروس للقتال فى صفوفه ولتدريب قواته، كذلك أشارت تقارير مختلفة إلى زيادة أعداد قوات شركة فاجنر من المقاتلين الروس داخل ليبيا، وتثير مشاركة العميد ستيفن ديميليانو المسئول العسكرى الرفيع بمركز القيادة الإفريقية فى الجيش الأمريكى فيعد دليلا على مخاوف البنتاجون من التمدد الروسى داخل ليبيا.
وتكون الوفد الأمريكى الذى التقى حفتر من مسئولة الشرق الأوسط داخل مجلس الأمن القومى فيكتوريا كوتس، والسفير الأمريكى لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، والنائب الأول لمساعد وزير الخارجية للشئون الدولية فى وزارة الطاقة الأمريكية ماثيو زايس، إضافة للعميد ديمليانو، وهو ما يعكس كذلك تنوع مصادر الاهتمام ليمتد للنفط الليبى خاصة مع وجود مسئول من وزارة الطاقة.
***
تتواصل واشنطن دبلوماسيا مع القاهرة وأبوظبى وأنقرة فى محاولات للبحث لها عن دور مؤثر فى ليبيا وفى محاولة لوقف الصراع داخل ليبيا، ويتمثل موقف واشنطن الرسمى دعوة اللواء الجنرال حفتر إلى إنهاء هجومه على العاصمة طرابلس، معتبرة أن ذلك سيؤدى إلى تسهيل المزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا.
وتضغط واشنطن على الحانبين المصرى والإماراتى من أجل الضغط على حفتر، لكن لم يعد لواشنطن قوة الحليف الكبير كما كان الوضع فى الماضى.
وقبل نهاية 2019 بأيام قليلة، أعلن بيان صدر عن البيت الأبيض عن محادثة هاتفية بين الرئيس ترامب ونظيره المصرى عبدالفتاح السيسى عن الشأن الليبى، وجاءت المكالمة كآخر حلقات موقف غامض مرتبك تتخذه واشنطن تجاه تصاعد الأحداث فى ليبيا.
وعبرت واشنطن عن قلق كبير إزاء طلب حكومة الوفاق الوطنى الحصول على الدعم العسكرى من تركيا، وتصويت البرلمان التركى بالموافقة على مقترح قانون لإرسال قوات إلى ليبيا.
***
تبنت واشنطن موقفا مزدوجا غير مرحب به من طرفى النزاع الليبى، فهى ترفض لجوء طرفى الصراع لطلب الدعم من أطراف خارجية لدعمها فى الحرب الأهلية الليبية سواء فى صورة مقاتلين روس أو قوات تركية.
وبسبب عدم وجود مصالح مباشرة لواشنطن فى ليبيا، تترك واشنطن عواصم أوروبية مهمة كلندن وبرلين وروما وباريس مهمة التعامل مع الوضع المتوتر فى ليبيا، إلا أن تركيزها الأهم ينصب على مراقبة التمدد الروسى فى بلد هام لاستراتيجيتها الإفريقية، وليس سرا أن إدارة ترامب تخشى من التدخل العسكرى فى أى نزاع خارجى، ولنا فى حالة سوريا أو أوكرانيا نموذج لهذا التردد، وإن كان الاستثناء هو الإقدام على قتل اللواء الإيرانى قاسم سليمانى، لكن لهذا قصة أخرى.
كاتب صحفى متخصص فى الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن
الاقتباس
يؤدى تزايد النشاط العسكرى الروسى فى غرب ليبيا، وذلك بالتنسيق مع الجانب المصرى كما يعتقد الكثير من الخبراء فى واشنطن، لانزعاج كبير فى الدوائر الأمريكية، ولا يمكن الفصل بين هذا الانزعاج وبين رغبة واشنطن فى وقف الاقتتال الداخلى والتوصل لاتفاق لوقف النار.