دونالد ترامب ليس صدفة تاريخية! - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الخميس 16 يناير 2025 9:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دونالد ترامب ليس صدفة تاريخية!

نشر فى : الخميس 16 يناير 2025 - 6:45 م | آخر تحديث : الخميس 16 يناير 2025 - 6:45 م

قبل 8 سنوات، اعتلى دونالد ترامب المنصة أمام مبنى الكابيتول فى قلب العاصمة واشنطن، وبعدما ألقى القسم الرئاسى، خاطب ترامب الشعب الأمريكى وبقية العالم، بخطاب نارى لم يألفه أحد داخل أو خارج الولايات المتحدة. وقبل 4 سنوات، وفى نفس المكان، اقتحم الآلاف من أنصار ترامب مبنى الكابيتول، فى محاولة لوقف التصديق على الانتخابات التى خسرها لصالح جو بايدن. وسيتحدث ترامب من جديد للشعب الأمريكى ولبقية العالم، يوم الإثنين القادم، مدشنا بدء فترة حكمه الثانية والأخيرة، من نفس ذات المكان.

قبل 8 سنوات، تبنى ترامب نغمة رئاسية مختلفة تماما، إذ تحدث عن الغضب الشعبى مما آل إليه حال أمريكا، كما وصف بلاده كدولة منحدرة تنحنى للنخب التى تخدم مصالحها الذاتية وتخضع كذلك للأجانب الجشعين، وقال "ستبدأ أمريكا فى الانتصار مرة أخرى، وبشكل لم يسبق له مثيل". قبل 4 سنوات، أراد بايدن، الذى لم تتبقَ فى رئاسته إلا ساعات، أن يجعل إدارة ترامب صدفة تاريخية وفترة عابرة، إلا أنه فشل بامتياز. حيث أدت عدم رغبة بايدن وعناده ورفضه التنحى لصالح المرشحين الديمقراطيين الأصغر سنا والأكثر منطقية إلى إعادة دمج خصمه اللدود فى البيت الأبيض.

قبل 8 سنوات وفى خطاب تنصيبه، قال ترامب "إن لاحتفال اليوم معنى خاصا جدا، لأننا اليوم، لا نقوم بمجرد نقل للسلطة من إدارة إلى أخرى، أو من طرف إلى آخر، لكننا ننقل السلطة من واشنطن، ونعطيها إليكم مرة أخرى، نعطيها للشعب". وقد مثل خطاب ترامب الرسمى الأول تدشينا لرؤية شعبوية أمريكية تنادى "بأمريكا أولا"، معتمدة على صيغة تلائم القرن الواحد والعشرين، مركزة على قصور وسلبيات ونتائج ظاهرة العولمة التى وجهتها وقادتها بالأساس الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الحزب الجمهورى أو الديمقراطى خلال العقود الأخيرة.

• • •

يعود ترامب إلى المكتب البيضاوى بسيرة ذاتية وخبرة مختلفة عما كانت فى جعبته قبل 8 سنوات. يعود ترامب معززا بالنجاة من محاولتى اغتيال، وأنقذته العناية الإلهية وأصيب فى أذنه اليسرى بجروح كادت تصيب دماغه، وهو ما كان سيقتله على الفور.

يعود ترامب ناجيا من محاولتى عزل من قبل الكونجرس خلال سنوات حكمه الأولى، ويعود متهما ومدانا بالمسئولية عن اعتداء جنسي، ومدانا فى 34 جريمة تشمل العديد من الإدانات الجنائية.

يعود ترامب رئيسا جامعا معه عددا من الشخصيات التى يتعجب أغلب الشعب الأمريكى من ترشيحه لهم فى مناصب رفيعة بإدارته، سواء على خلفية المؤهلات المشكوك فيها، أو خلفية سجل الفضائح والآراء المتطرفة، مثل مرشح وزارة الدفاع، بيت هيجسيث، ومرشح الـ"إف. بي. أي"، كاش باتيل، ومرشح وزارة الصحة، روبرت كينيدى جونيور، ومرشحة الاستخبارات العامة، تولسى جابرد، وغيرهم.

• • •

لعل أكثر ما يلفت النظر فى إدارة ترامب الجديدة تمسكها بالادعاء أنها بطلة ونصيرة وممثلة للطبقة العاملة المنسية. بعد أيام، سيؤدى ترامب اليمين الدستورية، وستقف بجانبه زوجته ميلانيا، وعلى مقربة منه سيقف عدد من المليارديرات الذين تقربوا منه خلال السنوات الماضية لسبب أو آخر، ودعموا إعادة ترشحه بأموالهم ونفوذهم.
لن يقف إيلون ماسك، أغنى رجل فى العالم، بعيدا عن صديقه الجديد الذى يحكم أهم وأقوى دول العالم، وكذلك سيقف جيف بيزوس، مؤسس شركة «أمازون»، ومالك صحيفة «واشنطن بوست» فى مكان قريب، ولن يتخلف مارك زوكربيرج مالك شركة «ميتا» المالكة لفيسبوك عن الحدث، خاصة بعدما ضم صديق ترامب المقرب، دانا وايت، إلى مجلس إدارة شركته.
بعد 8 سنوات يكرر ترامب ما قاله منذ بدء ظهوره السياسى، ويطلق التعهدات كما لو كان سياسيا يدخل المعترك السياسى للمرة الأولى. ما زال يعتمد على خطاب سياسى ديماجوجى، يهز عواطف المواطنين والمواطنات من أجل كسب ولائهم، ولدعمهم لما يُعرض عليهم من سياسات أو توجهات.
طالب ترامب فى خطاب تنصيبه الأول الشعب الأمريكى باتباع قاعدتين بسيطتين، قائلا: «اشتروا المنتجات الأمريكية، ووظفوا المواطنين الأمريكيين»، وهو ما يمثل حجر الأساس فى سياساته الداخلية، المرتبطة بسياسات الهجرة والحدود المفتوحة مع المكسيك، وسياسات فرض تعريفات وضرائب على شركاء واشنطن التجاريين. وبعد 8 سنوات لم يغير ترامب من خطابه ولا من أولوياته.
ستعتمد فترة حكم ترامب الثانية، مثلها مثل الأولى، على سياسات وخطاب شعبوى يهز قواعد النظام العالمى الذى أرست قواعده، وعملت على حمايته وتجديده الإدارات الأمريكية المختلفة منذ الحرب العالمية الثانية، واعتمد على ليبرالية سياسية واقتصاد مفتوح. وليست تلك السياسات بالضرورة وليدة وصول ترامب إلى سدة الحكم فى البيت الأبيض، بل خرجت إرهاصاتها وتشكلت منذ عام 2008 الذى شهد حدثين تاريخيين؛ وصول باراك أوباما أول رئيس أسود للبيت الأبيض، والأزمة الاقتصادية العالمية. ساهم الحدثان بتشكيل التيار الشعبوى الأمريكى الذى نجح ترامب فى امتطاء قيادته.
• • •
قبل 8 سنوات، تساءل الكثير من الخبراء عن محركات الرئيس ترامب فى قضايا السياسة الخارجية، وضاعف من صعوبة السؤال غياب وجود إطار أيديولوجى ينزع إليه ترامب أو يلتزم به. وفى الوقت الذى تبدو فيه الفوضى والجهل كأكثر ما يميز مواقف ترامب تجاه قضايا السياسة الخارجية، ترجم بعض علماء السياسة مواقفه وسياساته كانعكاس لتبنيه مبدأ «أمريكا أولا».
بعد 8 سنوات، لم يتغير ترامب على الإطلاق، وبوعيه أو بدون وعيه، أثر، وما زال، على ملايين الأمريكيين والأمريكيات سواء فى طريقة تفكيرهم أو مواقفهم أو نهجهم فى الحياة العامة والخاصة. وحتى يتذكره الله، سيبقى ترامب مصدرا للإثارة والضجيج سواء من داخل البيت الأبيض أو من خارجه، وسيؤكد من جديد أنه ليس مرضا عارضا، وأنه ليس صدفة تاريخية، بل هو من شكّل التاريخ بالسيطرة على أحداثه، فى الوقت الذى سيطر فيه التاريخ على ترامب منذ ظهوره على الساحة السياسية الأمريكية.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات