انطباعات اكنسوها ونظفوها جسدًا وروحًا - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انطباعات اكنسوها ونظفوها جسدًا وروحًا

نشر فى : الأربعاء 16 فبراير 2011 - 11:31 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 فبراير 2011 - 11:31 ص

 حصلت على شهادات عليا فى القانون وتطور الصراعات من جامعات كبرى فى أوروبا وأمريكا وعادت إلى مصر، وإلى ميدان التحرير تحديدا، وخرجت من الميدان تقول «شعرت كم أنا بسيطة ومتواضعة أمام شباب فى العشرينيات من عمرهم.. وقفت باحترام أمام مقاومتهم السلمية واستمتعت بأسلوب تفكيرهم الاستراتيجى فى أمور الواقع والشأن العام. هؤلاء كانوا أسرع منا وأسبق.. صدقهم الناس الذين لم يصدقونا. تبنوا بعض أفكارنا وكانوا هم الذين أطلقوا فى وجه الحكام صرختهم المدوية «انتهت لعبتكم يا سادة».

تستطرد الصديقة جيهان العلايلى وهى تحكى تفاصيل 18 يوما قضتها مع الشباب، فتقول عنهم «شباب لم يقرأ غاندى ولكن كل ما فعلوه كان «غانديا» روحا وممارسة». كان غاندى يقول «ليس قبل أن تتغير الروح يتغير الشكل والأداء»، هؤلاء الشباب غسلوا أرواحنا، وأعادوا لقانون الحب مكانه فى أعلى درجات سلم القوانين.

●●●


لم تحصل بعد على الإعدادية. نقل إليها أصحابها، الصبيان منهم والبنات، عبر الفيس بوك تفاصيل عن رحلاتهم إلى ميدان التحرير مع أهاليهم. ألحت على الذهاب فاصطحبتها أمها فى رحلة كنس ومسح وتنظيف. حملت الأم مقشة ذراعها طويلة وحملت الصغيرة مقشة أخرى أصغر ذراعا. وفى الميدان اشتغلت الأم مع طفلتها ومع مئات السيدات وعشرات الأطفال ساعات طويلة. كنسن اللأرض وجمعن المخلفات فى أكوام تنتظر صبيانا أكبر سنا أو أشد قامة لنقلها إلى حيث تقف سيارات نقل يقودها متطوعون. عادت «دانيا» تحكى بفخر لرفاقها ورفيقاتها عن دورها فى ثورة الحرية. واختارت أن تسر فى أذن أمها عن سعادتها لأن الكتاب المقرر فى مادة تاريخ مصر ستزينه أسماء سهلة النطق والحفظ، أسماء سيكون من الصعب على التلاميذ نسيانها مثل وائل وأحمد وإبراهيم. توقعت أو لعلها تمنت أن تأتى هذه الأسماء على حساب أسماء تبذل هى وغيرها من الأطفال جهدا غير قليل فى حفظها لينسوها بعد قليل مثل بطليموس وهيرودوت وبيبرس وكافور.

●●●


كنسنا ميدان التحرير بعد أن غسلت الملايين الثائرة بأقدامها ودماء شهدائها أجزاء غالية أخرى من جسد مصر لوثتها ممارسات نظام فاسد لم يشك أغلبنا يوما فى سوء نيته وعنف أساليبه وفساد خلقه وغباء أدائه وبطء حركته. جاء يوم اليقين حين أطلق ألعن ما فى جعبته من أدوات الشر والوحشية فى ميدان التحرير على شباب الحرية المسالمين العزل إلا من كلمات نقية. منذ ذلك اليوم ازددنا يقينا بأن روح مصر كانت فى خطر واستقر قرارنا على أن يكون واجبنا وواجب الأجيال الطاهرة عدم التوقف عن الاستمرار فى كنس مصر وتنظيفها وتطهيرها جسدا وروحا لتظل دائما فى نظر أبنائها وبناتها ونظر كل العرب والعالم على الشكل الذى رأيناه على امتداد اسابيع المجد والكرامة والطهارة، ولتبقى ثورة من أجل الحرية والحب.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي