تحدثوا إلى حماس ولكن لا تنسوا فتح - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الأحد 20 أبريل 2025 6:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

تحدثوا إلى حماس ولكن لا تنسوا فتح

نشر فى : الإثنين 16 مارس 2009 - 4:29 م | آخر تحديث : الإثنين 16 مارس 2009 - 4:30 م

 خلال العام الماضى، شرع عدد متزايد من الشخصيات الأوروبية ومن الولايات المتحدة فى إقامة علاقات مع قيادات حماس، والدعوة إلى إدراج الحركة ضمن العملية السياسية. وشيئا فشيئا، ولكن بثبات، أدركت الولايات المتحدة وأوروبا أن سياسة وصم جميع الحركات الإسلامية بأنها منظمات إرهابية، لا يمكن أن تستمر. ولعله مما يدعو للارتياح، أن نرى أننا نبتعد عن كل ما فى نموذج «الحرب على الإرهاب»، ونتحول إلى التفكير السياسى الجاد.

وبينما تجرى المباحثات فى إسرائيل لتشكيل حكومة جديدة، فإن أقل ما يقال عن احتمالات ظهور طرف محاور مستعد لبحث السلام مع الفلسطينيين، إنها هزيلة. ويدرك العالم كله هذا، وعليه أن يحدد إستراتيجيته تجاه إسرائيل، ولكننا ربما نكون بصدد دخول نفق طويل آخر، مازال يغمره الظلام.
وترى النخب السياسية الفلسطينية الحالية من كل من فتح وحماس، أن تشكيل حكومة وحدة وطنية ضرورة مطلقة، تمثل نجاة بعد كارثة غزة وانتصار اليمين المتطرف فى إسرائيل. ولا شك أن الإجماع الناشئ بين العرب والأطراف الخارجية على الحاجة لتيسير قيام مثل هذه الحكومة، سيكون عاملا مؤثرا، بشرط عدم وجود محاولات لإجهاض النتيجة.

ولا شك أن التعامل مع حماس ضرورى. فحماس حركة منظمة، منضبطة ومنتخبة ديمقراطيا. وهى ليست دمية لإيران، وأثبتت قدرتها على حفظ القانون والنظام فى غزة. وحماس، مثلها مثل حزب الله فى لبنان، جزء من المشهد السياسى الفلسطينى، وهى حقيقة لا يمكن التهرب منها. وسواء اتفقنا، أو لم نتفق على أسباب تنامى حماس (انهيار عملية السلام، التوسع المطرد فى المستوطنات الإسرائيلية، سوء الحكم والفساد داخل السلطة الفلسطينية)، فهذه هى النتيجة، والتقييم صحيح.

ومع ذلك، ينطوى الأسلوب الحالى على مخاطرة جادة، فقد أدى تعزيز احترام حماس، إلى تجاهل الحقيقية الرئيسية الأخرى فى السياسة الفلسطينية، وبالتحديد حركة فتح، وهى بحاجة ماسة للاهتمام. ولا يمكن تقليص المشهد السياسى الفلسطينى ليقتصر على عباس أو حماس. فمحمود عباس قائد منهك، لم يعد قادرا على توجيه حركته السياسية، لكنه يظل فعالا فى الحيلولة دون التغيير. ولكن فتح كانت ـ ومازالت ـ حركة نشطة ذات جذور قوية بين أهالى الضفة الغربية وغزة.

وعلى عكس المجتمعات العربية الأخرى، فالمعادلة ليست عبارة عن طرف نخبوى علمانى، يواجه حركة إسلامية شعبوية ذات قاعدة جماهيرية واسعة. حيث تمتلك فتح قاعدة قوية، بين معسكرات اللاجئين، والمجتمع الفلسطينى بوجه عام. وشبكاتها الاجتماعية، المتمثلة فى جماعات المرأة والشباب نشطة للغاية (على الرغم من أنها فقدت بعض تأثيرها بسبب ضعف التمويل).

والأهم من ذلك، هناك على الأقل عشر شخصيات فى الصف الأول من فتح يعتبرون زعماء وطنيين.

وهؤلاء شعبيتهم مرتفعة للغاية، وهم يعملون مع الناس، ويؤمنون بمجتمع فلسطينى ديمقراطى، ويلتزمون المصلحة الفلسطينية العامة. وهم معروفون بنزاهتهم وكفاءتهم التامة. ويتفهمون القيود الدولية، ولديهم المهارات السياسية والمصداقية المطلوبة لقيادة الرأى العام الفلسطينى نحو قبول شروط صفقة سلام، عندما تعرض صفقة يمكن قبولها. وبعض هؤلاء الشخصيات فى السجن، بينما يوجد الآخرون فى المظاهرات، والتجمعات الشعبية، والاعتصامات ضد محاولات إسرائيل الاستيلاء على منزل أو ضاحية، أو فى المجلس التشريعى الفلسطينى، حيث هم أكثر من يثيرون قضايا تهم الشعب الفلسطينى. ويعمل معهم مجموعة صف ثان، من الرجال والنساء ذوى مهارات قيادة بارزة، تلقى احتراما بالغا داخل فتح وخارجها. وهم ينظمون بإخلاص ودون كلل، خدمات اجتماعية بالأموال التى يستطيعون تدبيرها من مصادر فلسطينية، وعربية، ودولية، ويعملون على استيعاب غضب الشباب، وإبقائهم داخل حظيرة الفكر الديمقراطى. وهم من يمثلون نبض المجتمع الفلسطينى. ولا يمكن إغفال ولائهم للقيادة الحالية، فيما يرجع جزئيا إلى خوفهم الشديد من التسبب فى انقسامات جديدة، يرون عن حق أنها مهلكة للحركة وللمصلحة القومية الفلسطينية الشاملة. وهم يعرفون جيدا أيضا الأخطار، ويقفون إلى جانب آخر «أبو». لكنهم يدعون سرا إلى إجراء عملية فحص ذاتى جادة، وإلى التجديد من الداخل.

وأخيرا، هناك مجموعة كبيرة من الشخصيات المستقلة، التى تتمتع بمستوى عال من ثقة جميع الفصائل السياسية. والعديد منهم قريب أيديولوجيا من فتح، لكنهم حافظوا على مسافة منها، ورفضوا المشاركة فى الحكومة أو الترشح فى الانتخابات الأخيرة للمجلس التشريعى.

ولا شك أن «الفتحاويين» من بين أفضل وأبرع الفلسطينيين، غير أن حركة فتح منيت بالتصلب والجمود. فلم تدع لعقد مؤتمر قومى منذ أكثر من خمسة عشر عاما. وهى تحتاج فى هذه اللحظة الحرجة، اهتماما ومساعدة من أولئك الذين يؤمنون بالديمقراطية الفلسطينية.

وسوف يقول كثيرون: إن الترتيبات بين الفلسطينيين، شأن داخلى، لكن الأطراف الخارجية جزء لا يتجزأ من العملية، عبر دورهم الحيوى فى تقديم المساعدة، وتنظيم الأمن، وفى محاولة التعويض عن موقف إسرائيل الرافض والمتعنت. وهذه الأطراف تبحث حاليا عن وسيلة للخروج من الورطة التى خلقتها فى فلسطين.

وقبل الحرب الكارثية على غزة، كان المجتمع الدولى ينفق كثيرا على إصلاح المؤسسات الوطنية العامة، ثم يقوم بالدعاية عن إنجازاته، ويروج للتكنوقراط الذين نفذوا هذه الأعمال باعتبارهم القادة النموذجيين لفلسطين. ويمكن للتكنوقراط أن يحققوا بالفعل بعض النجاح فى إعادة بناء الثقة فى المؤسسات العامة، ولكنهم لن يستطيعوا حشد الشعب الفلسطينى أو مواجهة نفوذ حماس بخطة للحكم الصالح، والإدارة السليمة. فالمجتمع الفلسطينى مُسيّس ومعبأ على نحو كبير. ويشترك فى ملامح كثيرة مع كل من المجتمعين فى أيرلندا وجنوب أفريقيا. والآن يقف هذا المجتمع عند نقطة حرجة من تاريخه، ويواجه قضايا وجود لا تجدى معها حلول تكنوقراطية.

وتتركز الجهود الحالية على المباحثات الجارية فى القاهرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعلى إعادة تنظيم منظمة التحرير الفلسطينية وقوات الأمن. وهناك من يدعون إلى إحياء وتجديد المجلس الوطنى الفلسطينى من خلال الانتخابات، بينما يرى آخرون أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية تقدم وسيلة للخروج من المأزق. ولكن فى كل من هذين الاقتراحين، سوف تضطر فتح لخوض معركة سياسية كطرف ضعيف. ويتطلب إعادة ترتيب البيت الفلسطينى، كما يحب الفلسطينيون القول، إعادة ترتيب بيت فتح أولا، ومساعدة فتح على إعادة بناء نفسها حول شخصيات موثوق بها لإعادة تعبئة رصيدها السياسى، وهو مازال ضخما.

والتحدى الذى يصاحب إقرار عملية ديمقراطية فى فلسطين مقابل الترويج للديمقراطية، حسب التعريف الذى طرحه بوش، هو الحيلولة دون انتقاء أفراد بعينهم، وإعدادهم، أو الإبقاء عليهم كقادة مرغوب فيهم. ويتمثل هذه التحدى فى السماح برعاية القوى السياسية الأصلية وتنشيطها عبر عملية تجديد. كما يتمثل فى منح هذه القوى الفرصة اللازمة، لتطوير أجندتها السياسية القائمة على أولويات الشعب، وليس الأطراف الخارجية.

وإذا كنا نعترف لحماس بذلك، فلا شك أن فتح تستحق أن تحصل أيضا على هذه الفرصة.
مديرة المبادرة العربية للإصلاح

بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات