الحلم الذى كان ممكنًا - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:56 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الحلم الذى كان ممكنًا

نشر فى : الثلاثاء 16 مارس 2010 - 9:34 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 مارس 2010 - 9:34 ص

أكثر ما يعجبنى فى أمريكا أن هناك دائما شخصا لا يركن للأمر السائد شخصا لا يرى أنه فى حالة حدوث ركود عظيم يفترض أن تستريح، وتقلص نشاطك، وتتشبث بالحياة. ولدىّ صديقان تنطبق هذه القاعدة عليهما، فهما يعتقدان أن الركود وقت ممتاز لاكتشاف سبل أفضل وأرخص لأداء الأمور. وتصادف أن كليهما أمريكى من أصل هندى، أحدهما من جبال الهيمالايا، جاء إلى أمريكا بمنحة دراسية وذهب للعمل فى ناسا محاولا اكتشاف الطريق إلى المريخ، والآخر من نيودلهى، جاء إلى هنا وأوجد شركة صن مايكرو سيستمز. وكلاهما صاحب سلسلة من الابتكارات. وكلاهما يراعى الآن بدايات التكنولوجيا النظيفة التى تحمل إمكانية التحول إلى أدوات مدمرة تغير اللعبة. وهما لا يعرفان السائد بسبب الإصرار على الرأى. فهما فقط لم ينتبها.

ونتيجة لذلك، أنتج أحدهما خلية وقود يمكن أن تحول الغاز الطبيعى أو العشب الطبيعى إلى كهرباء؛ ولدى الآخر تكنولوجيا ربما تجعل من الفحم أنظف وأرخص مصادر الطاقة عبر تحويل انبعاثات ثانى أكسيد الكربون الصادرة عنه إلى قوالب لبناء منزلك فى المستقبل. وعلى الرغم من أن بلادنا ربما تكون متعثرة، إلا أنك بفضل أمثال هؤلاء المبدعين لا يمكنك بأى حال على الإطلاق أن تحكم بفشلنا.

دعونى أقدم فينود خوسلا، وكيه آر سريدار. خوسلا، هو الشريك المؤسس لشركة صن مايكرو سيستمز، ظل عدة سنوات مضت يعمل فى تمويل شركات الطاقة الناشئة، وتعتبر شركة كاليرا بمثابة طفله المفضل الآن، وقد بدأ إنشاؤها مع برنت كونستانتز، الأستاذ بجامعة ستانفورد، الذى كان يدرس كيف تستخدم الشعاب المرجانية ثانى أكسيد الكربون لإنتاج عظامها من كربونات الكالسيوم.

فإذا أضفت ثانى أكسيد الكربون إلى ماء البحر أو أى مياه مالحة، سوف تنتج كربونات الكالسيوم. وهى ليست المادة الخام للشعاب المرجانية فحسب. بل هى المادة البيضاء اللزجة نفسها التى تظهر على دُش الحمام بسبب استخدام الماء العسر (الغنى بالكالسيوم). وطورت شركة كاليرا فى مصنعها بالقرب من سانتا كروز، كاليفورنيا عملية تأخذ انبعاثات ثانى أكسيد الكربون الصادرة من محطة توليد كهرباء تعمل بالفحم أو الغاز، وتقوم برش مياه البحر فيها فتحيل بصورة طبيعية معظم ثانى أكسيد الكربون إلى كربونات كالسيوم يتم رشه بعد ذلك مجففا فى الأسمنت أو يتم تشكيله على هيئة كرات صغيرة يمكن استخدامها ككتل أسمنتية لبناء الجدران أو الطرق السريعة، بدلا من ترك انبعاثات ثانى أكسيد الكربون تذهب إلى الغلاف الجوى وتسبب تغير المناخ.

فإذا أمكن تطوير ذلك، سوف يقلل من الحاجة إلى مرافق عزل الكربون باهظة التكلفة المقرر بناؤها إلى جانب محطات الكهرباء التى تعمل بالفحم، وربما يجعل من الممكن فعليا تحقيق شعار «الفحم النظيف» وهو شعار براق حتى الآن.

وعندما أعلن فى ديسمبر عن تحالف لبناء المزيد من مصانع كاليرا، قال إيان كوبلاند، رئيس شركة بكتل للطاقة المتجددة والتكنولوجيا الجديدة، وهى شركة هندسية قوية: «تعتمد الأساسيات الكيميائية والفيزيائية لعملية كاليرا على مبادئ علمية سليمة، ويمكن إدراج تكنولوجيتها الأساسية وأجهزتها فى محطات توليد الكهرباء على نحو بالغ الفعالية»، وقال مصدر إن شركة الفحم الضخمة «بيبودى» سوف تعلن الأسبوع المقبل عن استثمارها فى كاليرا. وقال خوسلا: «إذا نجح ذلك، سوف تصبح شركات توليد الكهرباء العاملة بالفحم نظيفة بنسبة تزيد على مائة فى المائة. فهى لن تصدر أى ثانى أكسيد كربون فحسب، ولكنها من خلال إنتاج الماء النظيف والأسمنت كمنتج ثانوى سوف تبعد أيضا عن الغلاف الجوى جميع ثانى أكسيد الكربون، الذى يستخدم فى صناعة هذه المنتجات. وذات مرة قال جون دوير الرأسمالى الأسطورى المغامر الممول لشركة صان مايكرو سيستمز عن خوسلا: «إن أفضل وسيلة لدفع فينود للقيام بأمر ما أن تقول له إن هذا الأمر مستحيل».

وفى الأسبوع الماضى عرض برنامج «60 دقيقة» على قناة سى بى اس شركة سريدار «بلوم إنرجى». وقد أخذنى سريدار إلى موقف للسيارات خلف مقر وادى السليكون التابع لشركة جوجل، وأرانى المنظر الداخلى لأحد أكشاك شركة بلوم، بحجم حاوية شحن صغيرة الحجم وبداخله رزم من خلايا الوقود الأوكسيدى الصلب، مخزنة فى اسطوانات، وجميع أنواع قطع الغيار الممتازة التى لم أفهمها.

غير أن ما فهمته هو أن شركة جوجل كانت قد بدأت بالفعل تحصل على جزء من طاقتها النظيفة من خلايا الوقود هذه وأعلنت كل من شركة وول مارت، وإى باى، وفيدإكس، وكوكاكولا لتوها أنها تفعل الأمر نفسه. وقال سريدار، الشريك المؤسس لشركة بلوم ورئيسها التنفيذى إن خلايا الوقود التى يمكن أن تعمل على الغاز الطبيعى أو الغاز الحيوى، يمكنها توليد كهرباء بسعر يتراوح ما بين ثمانية وعشرة سنتات للكيلو وات ساعة، بأسعار الدعم الحالى. وقال: «نحن نعلم أننا نستطيع تخفيض الثمن فيما بعد، وهكذا ستكون كهرباء بلوم فى متناول كل بلد يفتقر إلى الطاقة» وهو حلم سريدار الحقيقى.

ويجب الانتباه: فهذه التقنيات ما زالت عليها أن تثبت أنه يمكن الاعتماد عليها، وإنها دائمة وقابلة للزيادة وإذا بحثت فى جوجل عن كل منها سوف تجد دراسات تقول إنها كذلك، ودراسات أخرى تشكك. وكل ما أعرفه هو: إذا حددنا سعرا بسيطا للكربون، ستجد هذه التقنيات الحديثة فرصة للازدهار، وسوف تخرج آلاف الأفكار الأخرى من أذهان المبدعين. فما زال لدى أمريكا أفضل ثقافة إبداع فى العالم. لكننا نحتاج إلى سياسات أفضل كى نرعاها، وبنية أساسية أفضل لتمكينها والمزيد من الانفتاح لجذب الآخرين إلى هنا من أجل تجربتها.

لقد صارت حياتنا السياسية مستحيلة مؤخرا، فكثير جدا من الأمريكيين توقفوا عن الحلم. ولكن ليس هذين الرجلين. فهما لم يدركا ذلك قط. وكما يقول سريدار: «لقد جئنا إلى أمريكا من أجل الحلم الأمريكى أن نعمل جيدا وأن نصنع الخير».

New York Times Syndicatio Service 

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات