وداعًا نيوزويك - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:25 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وداعًا نيوزويك

نشر فى : الجمعة 16 نوفمبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 16 نوفمبر 2012 - 8:35 ص

لن يصل عدد سنة 2013 الأول من مجلة نيوزويك لأكثر من مليون ونصف مشترك أمريكى ممن اعتادوا انتظارها فى صناديق بريدهم كل أسبوع، ولن يحصل عليها 60 ألف شخص اعتادوا على شرائها من أكشاك بيع الجرائد. وبعد ثمانين عاما كاملة من الاستمرار فى إصدار المجلة، أعلن القائمون على مجلة نيوزويك أن المجلة الشهيرة ستصدر آخر نسخها الورقية يوم 31 ديسمبر المقبل. وستصبح نيوزويك بعد هذا التاريخ مجلة إلكترونية رقمية بشكل كامل، ومتاحة فقط على الانترنت.

 

●●●

 

ظهرت المجلة عام 1933 فى مدينة نيويورك على يد توماس مارتن، محرر الشئون الخارجية بمجلة تايم المنافسة. وحلم مارتن بمجلة جديدة سماها النيوزويك لتنافس مجلته الأم، ولم يتخيل الكثيرون أن يجىء اليوم الذى يشهد اختفاء النيوزويك الورقية. ولم يعد متاحا من الآن الاشتراك فى صحيفة نيوزويك إلا إلكترونيا لتطبيقات أجهزة آى باد وأخواتها، والتليفونات الذكية مقابل 24.99 دولار سنويا أو 2.99 شهريا.

 

ولم يكن العالم ليعرف عدة أخبار مهمة خلال السنوات الخيرة إلا عن طريق النيوزويك، الفضيحة الجنسية للرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون مع المتدربة مونيكا لوينسكى عام 1998 كانت النيوزويك مصدرها الأول، كذلك كانت أول من رصد انتهاكات حراس معتقل جوانتانامو حين ألقوا بالقرآن الكريم فى المراحيض عام 2007.

 

●●●

 

واختفاء مجلة نيوزويك ليس الأول من نوعه فى عالم صحافة الكبار، فقد اختفت قبلها عشرات المطبوعات من أهما كريستيان ساينس مونيتور وبوسطن جلوب، وبالطبع لن تكون نيوزويك الأخيرة. ويعكس التطور والتغيير الذى يحل بنيوزويك ما سيؤول إليه محتوى الصحافة فى عصر العولمة. فمع اختفاء نيوزويك الورقية التى كانت تصدر باللغة الإنجليزية بالأساس، إلى جانب 11 لغة مختلفة حول العالم حيث اختلف محتوى النسخة العربية عن اليابانية، واختلافهما عن الإسبانية، ستصبح نيوزويك الجديدة نيوزويك واحدة للقارئ الأمريكى والمصرى واليابانى أو الإسبانى. وسيطلق على المجلة الإلكترونية «نيوزويك جلوبال»، أى نيوزويك العالمية، وستكون نسخة موحدة لكل أنحاء العالم، وحتى الآن على الأقل ستتاح فقط باللغة الإنجليزية.

 

وترى مدرسة الحداثة الإعلامية أن الابتعاد عن الصحافة الورقية هو سنة الحياة وبديل لا مفر منه. وبعدما كانت الصحافة الورقية سيدة الشارع والقراء لما تتمتع به من مزايا ومتعة تفوق متابعة قراءة الأخبار والتقارير على أجهزة الكمبيوتر أو التليفونات الذكية، لم يعد ممكنا للكثير من الصحف والمطبوعات الورقية الصمود ماليا أمام تفضيلات القراء الجدد.

 

وأقصد بالقراء الجدد تلك الاجيال والملايين من الأشخاص ممن لم يشتروا صحيفة ورقية فى عمرهم. وهو رقم يتزايد يوميا حول العالم بسرعة تفوق كل التوقعات. نعم سيبقى هناك الملايين من القراء والمتابعين للصحافة المطبوعة، إلا أن الحقيقة المؤكدة أن الاتجاه العام لأعدادهم يتناقص فى كل بقاع الأرض. كان عدد المشتركين فى النيوزويك قد بلغ أكثر من 3 ملايين شخص داخل الولايات المتحدة فقط عام 2003، ثم هبط ليصل إلى 1.5 مليون عام 2010. وارتبط بهذا الانخفاض خسارة 50% من قيمة الاعلانات عام 2010 مقارنة بعام 2009.

 

وعلى العكس من التناقص الكبير فى عدد القراء وعائد إعلانات نيوزويك الورقية، زاد عدد قراء الصحيفة إلكترونيا بين عامى 2007 و2009 بنسبة 38%، إلى أن وصل 19 مليون زائر شهريا بعدما دمجت مع موقع ذا ديلى بسيت الإخبارى الإلكترونى فى فبراير من العام الماضى. ويرتبط القراء الجدد أيضا بالاستخدام المتصاعد لاستخدامات شبكات التواصل الاجتماعى فى الصحافة بكثافة سواء الورقية أو الإلكترونية.

 

●●●

 

وتظهر التكنولوجيا المتطورة تحديا حقيقيا كبيرا لصناعة الصحف حول العالم، فمع سهولة الحصول على المعلومات والأخبار بسبب ما تتيحه التكنولوجيا من عنصر السرعة، إلا أنها لا تملك نفس المذاق عند القراءة. ومازالت الصحافة الورقية التقليدية تمتلك أهم خصائص الصحافة الجيدة وهى المصداقية. انتقال نيوزويك من الورقى للإلكترونى لن يعنى فقدانها للمصداقية التى هى أساس جاذبيتها عند ملايين القراء، والتى تم بناؤها والحفاظ عليها على مر السنين.

 

كما أن الصحف التقليدية مازالت هى المصدر الرئيسى للأغلبية الساحقة من الأخبار والسبق الصحفى لما تتمتع به من مصداقية وثقة من الجمهور. إلا أن الكثير من ملايين القراء الجدد لا يؤمنون بهذا الطرح، ولا يعنيهم، ولا يهمهم مصدر الخبر طالما وصل إلى هاتفهم الذكى أو لجهاز آى باد.

 

من هنا لا ترتبط الأزمة التى تواجه وسائل الإعلام التقليدية بعوائد الاعلانات فقط، ولكنها تتعلق بطبيعة جمهور القراء، وما يريد. ملايين القراء الجدد من الأجيال الصاعدة لم ترتبط عاطفيا بالصحيفة المطبوعة، والملايين منهم لم يشتر صحيفة فى حياته، زد على ذلك أن ملايين منهم لا يرى أى ضرورة أو فائدة من استمرار الصحف القديمة!

 

إلا أن هناك بارقة أمل باقية تتمثل فى أن مواقع الأخبار الرائدة على شبكة الإنترنت مازالت تعتمد فى الأساس على مواد من الوسائل الصحفية التقليدية، ومازالت الصحف التقليدية هى أهم مصادر الاخبار التى تنشرها مواقع تجميع الاخبار الجديدة، ومثل جوجل الأخبارية أو أمريكا أون لاين، ومازالت تعد صحيفة نيويورك تايمز على رأس هذه المصادر رغم ما تعانيه من تحديات كبيرة وما تواجه من مشكلات مالية. ولليوم لا يوجد صحفيون متفرغون ومحترفون يعملون لحساب جوجل أو أى شركة تكنولوجيا.

 

●●●

 

فى مصر ومنطقتنا العربية ما زلنا نتعامل بجدية فقط مع الصحافة الورقية التى تتواجد معنا على المكاتب أو فى المواصلات العامة والمقاهى. ولا يمثل الاختفاء التهديد الأول لصحفنا المطبوعة، بل غياب المصداقية التى تعد الفارق الأهم بين الصحف المحترمة وبين الأنواع الأخرى من الصحف.

 

وداعا عزيزتى نيوزويك!

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات