هل نجح كيرى فى إخماد الحرائق بالمنطقة؟ - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نجح كيرى فى إخماد الحرائق بالمنطقة؟

نشر فى : السبت 16 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : السبت 16 نوفمبر 2013 - 7:41 ص

أبدأ أولا بالحديث عن كيفية نقل الإعلام المصرى للتصريحات التى أدلى بها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أثناء زيارته لمصر، وأتعجب من قدرة بعض أجهزة الإعلام على اختلاق أقوال لم يتفوه بها الوزير ولم ترد على لسانه. وأسأل نفسى، إن كان هذا التحريف فى التصريحات يتم بعد يوم واحد من الإدلاء بها، فما بال الأقوال التى تعود إلى مئات من السنين مضت؟ فلو تمت إضافة أو حذف حرف واحد من المقولة كل عام منذ أن أطلقت، لوجدنا أن النصوص التى بين أيدينا الآن لا تمت إلى الحقيقة بصلة!.

زيارة كيرى لمصر، التى يبدو أنها رتبت على عجل، هدفت إلى امتصاص الغضب الذى أصاب الدوائر المصرية الرسمية والشعبية من قرار إدارة أوباما بتعليق جزء كبير من مساعداتها العسكرية والمالية لمصر. أسرف كيرى أثناء الزيارة فى التأكيد على متانة العلاقات المصرية ــ الأمريكية رغم ما حدث، وحاول التقليل من أهمية قرار التعليق إلى حد القول بأن تلك هى قضية «ضئيلة للغاية». وأتعجب من انه إذا كان حرمان مصر من حاجتها من طائرات F16، وطائرات الأباتشى، ودبابات ابرامز، والصواريخ، التى تشكل بالقطع جانبا أساسيا من قدراتنا الدفاعية، وحماية أمننا القومى، يعد فى نظر كيرى من الأمور التافهة، فأى أمور تلك التى يراها الوزير الأمريكى أكثر أهمية وخطورة؟ وفى مجال تبرير قرار حجب المعونة، ذكر الوزير ان هذا الأمر ليس بمثابة عقاب لمصر، انما جاء إعمالا لقانون أصدره الكونجرس فى السابق فيما يتعلق بالتعامل مع أوضاع تغيير الحكومات فى الدول المختلفة. وهنا أعود لما بدأت به هذا المقال، فقد أضافت صحيفة مصرية واسعة الانتشار إلى هذه التصريحات ان كيرى اعترف بأن «القرار الخاص بحجب المعونة لم يحقق المطلوب منه». ولا أعلم من أين أتت الصحيفة بهذا الاعتراف الذى بحثت عنه فى النص الرسمى الصادر من الخارجية الأمريكية فلم أجد له أى أثر!.

لم تترك الصحافة الأمريكية ما ذكره كيرى عن العلاقة بين وقف المعونة وتغيير الحكومة فى مصر ليمر مر الكرام، واعتبرت ما قاله فى هذا الصدد مخالفا تماما للحقيقة، إذ إن ايقاف المعونة لم يتم بسبب ما حدث فى 3 يوليو الماضى، حيث امتنعت الحكومة الأمريكية عن وصف ما حدث بالانقلاب، الذى ينطبق عليه قانون الكونجرس، إنما أوقفت هذه المعونة بعد ذلك بأشهر، وبالتحديد يوم 9 أكتوبر الماضى بسبب طريقة تعامل السلطات المصرية مع المتظاهرين السلميين.

ولم تكتف الصحافة الأمريكية بالإشارة إلى خطأ الوزير بل قامت صحيفتان أمريكيتان النيويورك تايمز والواشنطن بوست، وهما من كبريات الصحف الأمريكية، بنشر افتتاحيتين، انتقدتا فيهما تصريحات كيرى فى مصر عن أن خريطة الطريق يجرى تنفيذها وفقا لما كان يأمله الجميع. وقالت هذه الصحف ان كيرى يتجاهل أن الرئيس السابق المنتخب والآلاف من انصاره قد وضعوا خلف القضبان، وان قنوات الإعلام المعارضة قد تم حجبها عن الظهور. ولا يحضرنى أية انتقادات جاءت بتلك الشراسة مثل تلك التى وجهتها صحيفة الواشنطن بوست لكيرى من أنه يبدو «أحمق» إذا ما قبل الوعود المصرية الفارغة حول قرب تحقيق الديمقراطية، والواقع أن وزير الخارجية الأمريكى لا يستحق كل ذلك الهجوم فقد حرص على القول فى تصريحاته بأن الشراكة الأمريكية المصرية ستكون فى أفضل حالاتها، إذا تم تمثيل مصر بحكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا تضم مختلف الأطياف، وتقوم على احترام القانون، وضمان الحريات الأساسية. أمر آخر له دلالته وهو أن كيرى أكد ان بلاده مستمرة فى تقديم المساعدات التى تضمن أمن الحدود المصرية، وأمن سيناء، ومكافحة الإرهاب. ولا يحتاج الأمر منا أى جهد لمعرفة الطرف الآخر المستفيد من مثل هذه المساعدات!.

 

أما زيارة كيرى للسعودية فهدفت هى الأخرى إلى اخماد حرائق نشبت على مسار العلاقات الأمريكية ــ السعودية، أساسا فيما يختص بتعامل أمريكا مع الأزمة السورية، وكذلك تقاربها الجديد مع إيران. فبعد ان امتنع وزير الخارجية السعودى عن إلقاء بيانه التقليدى فى افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، فاجأت السعودية الجميع برفض قبول عضوية مجلس الأمن التى تجرى بالتناوب، ثم يصرح سفير السعودية فى واشنطن سابقا، ورئيس المخابرات الحالى، بأن بلاده على وشك تدشين تحول جوهرى فى علاقاتها بالولايات المتحدة.

وجدنا مع كل هذه المؤشرات أن وزيرى الخارجية الأمريكى والسعودى قد حرصا فى مؤتمرهما الصحفى على التقليل من أهمية ما يتم تناوله حول الخلافات بين البلدين، واعتبارها مجرد خلافات على التكتيك وليس على الجوهر. غير ان الأمير سعود الفيصل ما لبث أن، خرج على النص، فى إجاباته عن اسئلة الصحفيين، وشن هجوما ضاريا على كيفية تعامل المجتمع الدولى مع الوضع السورى وفشله فى وقف نزيف الدم فيها، ثم وجه سهامه إلى إيران ودورها فى سوريا معتبرا ان سوريا أضحت دولة محتلة من قبل القوات الإيرانية من ناحية، وقوات حزب الله من ناحية أخرى.

على الجانب المقابل تمسك الوزير الأمريكى باتباع الحلول السلمية فى التعامل مع الأزمة السورية ومع الملف النووى الإيرانى، لكنه أكد فى نفس الوقت على استمرار دعم أمريكا للمعارضة «المعتدلة» فى سوريا، كما ان الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بإنتاج سلاح نووى. لابد ان أشير إلى جانب آخر من تصريحات كيرى وهو ذلك المتعلق بمصر، حيث أوضح الوزير الأمريكى أن مباحثاته المطولة مع خادم الحرمين الشريفين قد تناولت مصر أيضا، وأن أمريكا قد اتفقت مع السعودية (وغيرها) على العمل بكل قوة على مساعدة مصر اقتصاديا من أجل تخطى المرحلة الانتقالية التى تمر بها حاليا.

 

هناك العديد من التعليقات التى تحاول تفسير الغضب السعودى تجاه أمريكا، من بينها أزمة الزعامة فى السعودية وتطلع الجيل الجديد للمشاركة فى صنع القرار، وكذلك حقيقة انفصال الزعامة السعودية عن واقع التغيرات الخطيرة التى اجتاحت المنطقة العربية خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وهناك من يربط بين الموقف السعودى وبين ما صرحت به مستشارة الأمن القومى الأمريكى سوزان رايس من أن بلادها مصممة على ألا تستغرقها تماما المشاكل فى الشرق الأوسط، بحيث تتجاهل علاقاتها بمناطق حيوية أخرى فى العالم.

 

ننتقل الآن إلى قضية النزاع العربى ــ الإسرائيلى، ويحسب للوزير الأمريكى حرصه على التنقل أكثر من مرة بين إسرائيل والضفة والأردن فى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فشل المفاوضات فى إحراز أى تقدم يذكر. والواقع ان وزير الخارجية الأمريكى، خرج على النص، أيضا فى تصريحاته المتعلقة بالصراع. قال بالحرف الواحد «ان الولايات المتحدة تعتبر المستوطنات عملا غير مشروع». ووضع حدا للادعاءات الإسرائيلية بأن السلطة قد سمحت باستمرار الاستيطان فى مقابل إحياء عملية التفاوض. أكد كيرى ان السلطة لم يصدر عنها فى أى وقت من الأوقات مثل هذا الارتباط الغريب، تكررت هذه الادعاءات الإسرائيلية فى محاولتها الربط بين الإفراج الأخير عن المعتقلين الفلسطينيين والسماح بقيام إسرائيل ببناء أكثر من ألف وحدة سكنية فى القدس الشرقية.. محاولات إسرائيلية مفضوحة لا ينبغى الالتفات إليها.

غير ان الأهم من ذلك كله فى تصريحات الوزير الأمريكى تحذيره لإسرائيل من ان العنف سيعود إذا لم يحدث تقدم فى العملية السلمية، وان «البديل عن السلام هو الفوضى والصراع بل والحرب وان جاءت فى أضعف درجاتها». وتساءل كيرى عما إذا كانت إسرائيل ترغب فى اندلاع انتفاضة ثالثة؟! ثم قال ان إسرائيل ستواجه بعزلة دولية إذا لم يتم إحراز تقدم فى المفاوضات.

كلام لم نسمعه منذ مدة طويلة من أى مسئول أمريكى، وربما لم نسمعه قبل ذلك بهذه الحدة وذلك الوضوح.

 

مهمة صعبة ولا شك تلك التى أقدم عليها وزير الخارجية كيرى فى جولته هذه بمنطقة الشرق الأوسط، وصعوبتها تكمن فى التوقيت، حيث الاستياء المكتوم أو المعلن من المواقف الأمريكية هو القاسم المشترك الأعظم المسيطر على الدول التى زارها، وفى المضمون، نظرا إلى ضخامة المشكلات وتشعبها التى كان على الوزير أن يعالجها.

على أية حال يحسب للوزير ما قام به من جهد، حتى وإن لم تحقق الزيارات كل الآمال المعلقة عليها.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات