صحيح أن قطاعا من المصريين لا يزال تراوده أحلام رجوع محمد البرادعى عن قراره بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وصحيح أيضا أن كثيرين أصدروا توكيلات بترشيحه، وآخرين ينشطون فى استصدار توكيلات أخرى، فضلا عن انتشار صفحات جديدة على مواقع التواصل الاجتماعى، تسلك وكأن البرادعى ــ الغائب باختياره ــ حاضر فى معركة الرئاسة، أو أنه سيخوض السباق فى لحظة ما.
كل هذا صحيح، لكن الأصح أن الرجل خرج من عبثية المشهد بلا رجعة.
لكن ماذا تعنى هذه النوستالجيا إلى البرادعى، الغائب الحاضر؟
تعنى باختصار أن قطاعا من المصريين لا يجد نفسه فى مشاريع وأفكار المرشحين المحتملين وغير المحتملين المطروحين على الساحة، ويعتبر أن المعركة على هذا النحو لا تلبى أشواق عدد من المصريين للتغيير الحقيقى، الذى كان من المفترض أن يحدث بعد الثورة، ويعنى كذلك ــ وهذا هو الأهم ــ أن الثورة ما زالت نابضة بالحياة، وقادرة على الحركة والانبعاث من تحت تلال التراب التى أهالها عليها المجلس العسكرى، وبدأ يتصرف وكأنه نجح فى دفنها تحت الردم.
إن المصريين يمتلكون من الوعى الماكر، ما يجعلهم يظهرون وكأنهم بلا وعى أمام من يحلم بإحراق مساحات الوعى والفهم فى رءوسهم، وليس صحيحا أن الناس ضجوا من الثورة، لكنهم بالتأكيد أنهكوا مما يحدث لهم ومعهم ويفعل بهم وينسب بهتانا إلى الثورة، هم يتوقون إلى الاستقرار، ويريدون الهدوء، لكنهم فى أعماقهم يدركون جيدا أن الطرف الأقوى، الممسك بالدفة، يتصرف ضد الثورة، ويغرقهم فى مشاكل وأزمات متعاقبة عن عمد فى إطار عملية قطع خطوط الاتصال ونسف الجسور بينهم وبين الثورة.
ومن هنا تأتى هذه الثنائية المتناقضة: إظهار الميل للانحياز إلى من يفرض عليهم استقرارا زائفا، وفى الوقت نفسه التعلق بأهداب حلم التغيير الحقيقى، من خلال توكيلات لواحد من علامات هذه الثورة وهو الدكتور محمد البرادعى.
وعلى الرغم من أن أحدا لا يستطيع أن يحصر عدد هذه التوكيلات بدقة، ومن ثم حجم التشبث بأمل رجوع البرادعى، فإن الإعلام الرسمى يتعامل مع هذه المسألة بنوع من التضخيم المزيف.
ومن ذلك أن «الأهرام» كبرى الصحف الحكومية، عادت مرة أخرى إلى زمن «الفوتوشوف» مقدما دليلا على حالة نكوص تعبيرى، تذكرك بالواقعة التعبيرية الأشهر عندما عبثت بأصل صورة مبارك وأوباما وزعماء الأردن وإسرائيل وفلسطين.. حيث نشرت الأهرام أمس صورة أرشيفية لمحمد البرادعى يظهر فيها مرتديا قميصا خفيفا فى عز البرد، قائلة إنها صورته على صفحته فى «فيس بوك» معلنا حصوله على آلاف التوكيلات من مؤيديه للترشح للرئاسة، بينما الصورة المنشورة له قديمة جدا، وتعود إلى عام 2010 أيام حملة المليون توكيل لدعم مشروع البرادعى للتغيير.
ولا أظن أن صحف الحكومة بلغ بها الوله بالبرادعى هذا الحد الذى تتعامل به مع الرجل بتعبيرية فاقت تعبيرية أسامة سرايا مع مبارك.