ضبابية المشهد فى تونس - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الإثنين 3 مارس 2025 6:14 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ضبابية المشهد فى تونس

نشر فى : الخميس 17 أكتوبر 2013 - 9:30 ص | آخر تحديث : الخميس 17 أكتوبر 2013 - 9:30 ص

عندما حللتُ بتونس يوم 9 أكتوبر الجارى ولمدة ثلاثة أيام، كانت مظاهر الأزمة السياسية تُحكم خناقها على البلاد. كان هناك تعثر فى الجلسات التمهيدية للحوار الوطنى، والتى بدأت فى 5 أكتوبر بهدف احتواء الغضب الشعبى جراء اغتيال المعارض اليسارى محمد البراهمى فى 25 يوليو الماضى. بل إن لحظة إطلاق الجلسات التمهيدية نفسها كانت شديدة التأزم حتى أوشكت أن تعصف بالأمر كله. وتمثلت المشكلة فى حينها فى اشتراط جبهة الإنقاذ، التى تشكلت فى اليوم التالى لاغتيال البراهمى من أحزاب وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدنى، اشتراطها توقيع الأطراف المشاركة فى الحوار على خارطة طريق تقضى باستقالة الحكومة وتشكيل آخرى جديدة فى غضون ثلاثة أسابيع على أن تكون تكنوقراطية غير حزبية، وانتهاء المصادقة على الدستور بعد أربعة أسابيع. وفى مواجهة هذا الشرط انقسم المشاركون إلى ثلاث فئات، فهناك من وقع على خارطة الطريق كما فعل الاتحاد التونسى العام للشغل، وهناك من وقع بعد تردد كما حدث مع حركة النهضة التى أرفق رئيسها الغنوشى توقيعه بعبارة غامضة هى « أقبل بخارطة الطريق على قاعدتها « ثم عاد مجلس شورى النهضة ليُصدر بياناً يتمسك فيه باستمرار حكومة على العريض لحين الانتهاء من وضع الدستور وهو ما فسره البعض بأنه التفاف على التوقيع، وهناك أخيراً من رفض التوقيع من الأساس كما هو حال حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذى خرج منه الرئيس المرزوقى ومنطقه فى الرفض هو أن الحوار يجب أن يضع خارطة الطريق ولا يتكبل بها. ولم يكن حزب المرزوقى وحده فى هذا الموقف.

•••

على أى حال بعد تجاوز موقف التوقيع، برزت على السطح معضلة هيئة الانتخابات التى ستُشرف على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد اعتماد الدستور، وفرضت نفسها على الجلسات التمهيدية التى كان من المفترض أن تُخصص للمسائل الإجرائية المتعلقة بتنظيم إدارة الحوار وتشكيل اللجان وخلافه. حكاية هذه الهيئة تتمثل فى أنها كيان اختاره المجلس التأسيسى بناء على المفاضلة بين ملفات مجموعة من المرشحين تولت فحصها ودراستها لجنة خاصة. لكن فى 17 سبتمبر الماضى قضت المحكمة الإدارية بأحقية خمسة من المرشحين الذين استبعدتهم اللجنة فى رفع ملفاتهم للمجلس، بينما قضت باستبعاد إحدى عضوات الهيئة بسبب تزوير ملفها وادعاء اشتغالها بسلك القضاء، وعليه حكمت المحكمة بإعادة فحص الملفات وفرزها مع بطلان الهيئة القائمة. هيمنت هذه القضية على الجلسات التمهيدية وبرز فى التعاطى معها اتجاهان : اتجاه ينادى بتأجيل بدء الحوار حتى الانتهاء من حسم موضوع الهيئة وانتخاب المجلس التأسيسى هيئة جديدة، واتجاه آخر يقترح استمرار الهيئة المحكوم ببطلانها حتى تمضى فى تسجيل الناخبين واستخراج بطاقات الاقتراع وبالتوازى مع ذلك يتم الإعداد لتشكيل هيئة جديدة. وعلى حين يوجَه لأصحاب الرأى الأول اتهام بمحاولة شراء الوقت وتسويف موعد تنفيذ خارطة الطريق فور بدء الحوار، يوجَه لأصحاب الرأى الثانى اتهام بمحاولة اختطاف نصر سريع والتخلص فوراً من حكومة النهضة التى وصلت للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع.

•••

وهكذا فإنه فى حدود الأمد المعلوم لا أحد يعرف على وجه اليقين متى سينطلق الحوار الوطنى وبالتالى متى سيبدأ تفعيل خارطة الطريق. جدير بالذكر أن البعض اقترح موعداً مبدئياً هو يوم 21 أو 22 أكتوبر أى فور انتهاء عطلة عيد الأضحى، بينما يفضل آخرون التريث انتظاراً لما سيكون عليه الوضع يوم 23 أكتوبر وهو اليوم الذى يحشد له الحزب الشيوعى ومعه أطراف أخرى من المعارضة بمناسبة مرور عام على انتهاء المدة التى كان يُفترض أن يُنهى فيها المجلس التأسيسى وضع الدستور، هذا مع العلم بأن الحزب الشيوعى يطالب بأن يكون « يوم 23 أكتوبر يوماً فاصلاً وحاسماً فى وضع حد لمنظومة أثبتت فشلها وعداءها لشعبنا وتطلعاته «، بل إنه أعد فعلاً بطاقة حمراء عليها كلمة رحيل فى مشهد يذكرنا ببطاقة الطرد التى رفعها ملايين المصريين للرئيس السابق محمد مرسى، وما أكثر ما تذكرنا تونس بمصر ومصر بتونس. على هامش هذا التطور من المهم الالتفات إلى التغير الذى حدث فى الخريطة السياسية التونسية، فمع أن حركة النهضة لا زالت تتصدر استطلاعات الرأى العام كما كشف عن ذلك « معهد سبر الآراء وتحليل البيانات الإحصائية « بمناسبة مرور 30 شهراً على الثورة، إلا أن الفارق يتضاءل بشدة بينها وبين حزب نداء تونس الذى شكله الباجى قائد السبسى وضم إليه عدداً من أعضاء التجمع الدستورى الديمقراطى الذى تم حظره فى وقت مبكر بعد الثورة. وهكذا فإنه فى مقابل 34% من الأصوات ذهبت لحركة النهضة وفق المصدر المشار إليه، فإن 32.7 % ذهبت لنداء تونس. أما على مستوى التنافس الرئاسى فقد ذكر معهد سبر الآراء أن السبسى يتقدم بنسبة 33.8 % ، يليه حمادى الجبالى أمين حركة النهضة بنسبة 19.8%، وهذا يعنى أنه لو صح هذا الاستطلاع فإن الانتخابات الرئاسية التونسية ستعيد إنتاج ثنائية مرسى- شفيق المصرية، وما أدراك ما تلك الثنائية.

•••

أزمة الحوار الوطنى على تعقدها ليست الوحيدة، فهناك أزمة أخرى تتصل بالعلاقة بين الحكومة وبين المجلس التأسيسى، وقد انفجرت هذه الأزمة يوم 10 أكتوبر حين ألغى رئيس المجلس مصطفى بن جعفر الجلسة العامة التى كانت مخصصة لمناقشة مشاريع بعض القوانين فضلاً عن مسار الحوار الوطنى. ففى أعقاب إلغاء الجلسة ثار بعد نواب المجلس أولاً لأن الظرف الدقيق الذى تمر به تونس يفترض أن يظل المجلس خلية وطنية فى حالة انعقاد دائم، وثانياً لأن تغيب الوزراء المعنيين بمشروعات القوانين التى كان سيناقشها المجلس أدى لإلغاء الجلسة وكشف عن استخفاف الحكومة بالمجلس. أكثر من ذلك انخرط هؤلاء النواب فى هتاف ضد الحوار الوطنى لتصبح المفارقة هى أنه بدلاً من أن يدعم الحوار المجلس التأسيسى ويساعده فى إنجاز مهمته، فإن المجلس يتحول إلى أداة للحشد والتعبئة ضد الحوار!.

فى تونس الأفق غائم تماماً وثمة أزمة ثقة مستحكمة بين الأطراف كافة، وعلى حين يتعثر المسار السياسى فى مهد الثورات العربية، تبدو تونس محشورة بين عنف القاعدة فى الجزائر وعنفها فى ليبيا.

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات