الحضارى هو كل منتسب لحضارة تعطى معنى أعم من الحضرى وهو كل منتسب إلى الحضر، والحضارة لا تعنى كل ما هو تاريخى أو تراثى بل ما نعيشه أيضا هو بناء حضارى له نصيب من تاريخنا وتراثنا وله النصيب الأكبر من واقعنا ومؤثراته التى تبدو لنا الآن وتبقى لأجيال بعدنا يشهدون أن ذاك كان واقعنا وما تركناه لهم، ويأتى التنسيق هنا محاولة لإبراز أجمل ما فينا وما يمكن أن نتركه لأحفادنا شاهدا على ما وصلنا إليه من تقدم وازدهار ورقى ليفخروا بأجدادهم وما كانت عليه معيشتهم وذوقهم وأنماط عمرانهم وطبائع عمارتهم.
تلك مهمة شاقة وسامية أنيط بالجهاز القومى للتنسيق الحضارى القيام بها، تنسيق المظهر العمرانى والمعمارى أى تنظيمه فى تناغم واتزان واتساق بين الشكل والوظيفة والذوق العام، يحكم ذلك معايير عمرانية ومعمارية وفنية وعوامل حاكمة ثقافية سواء من التراث أو العرف السائد والرأى العام، كما يسرى ذلك على المدينة والقرية، ويتبع الجهاز لوزارة الثقافة ويستمد قانونه من الباب الثانى من قانون البناء الموحد 119 لسنة 2008 والذى تدور النقاشات هذه الأيام داخل مجلس النواب حول تعديل مواده.
كما منح وزير العدل مسئولى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى صفة الضبط القضائى الذى يعطيهم صلاحيات واسعة لتطبيق القانون والوصول إلى تحقيق الأهداف التى أنشئ من أجلها الجهاز، وإلى جانب الباب الثانى من قانون البناء الموحد فهناك أيضا القانون رقم 144 لسنة 2006 الخاص بتنظيم هدم المبانى والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعمارى، والذى لم يلغه قانون البناء الموحد وإنما أشار فى مادته رقم 35 إلى جواز اقتراح الجهاز نزع ملكية بعض المبانى ذات القيمة المتميزة وإتمام التعويض طبقا لأحكام القانون 144 لسنة 2006، كما ورد ذكر ذات القانون مرة أخرى بقانون البناء الموحد فى بابه الرابع الخاص بالحفاظ على الثروة العقارية فى فصله الثانى فى شأن صيانة وترميم العقارات المبنية وهدم المنشآت الآيلة للسقوط حيث جاءت المادة رقم 90 مستهلة بجملة مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 144 لسنة 2006، أى أن هذا القانون يعيش بيننا ويتعايش مع قانون البناء الموحد كما تتعايش الثقافة مع المحليات فى تطبيق التنسيق الحضارى.
***
مما جاء بالقانون 144 لسنة 2006 فى مادته الثامنة مراعاة أحكام قانون نقابة المهندسين، كما أعطى فى مادته الحادية عشرة صفة الضبطية القضائية لرؤساء المراكز والمدن والأحياء والمهندسين القائمين بأعمال التنظيم بوحدات الإدارة المحلية، وذلك بعد تحديدهم بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص بشئون الإدارة المحلية، كما ورد بالمادة الثانية عشرة من ذات القانون عقوبة كل من هدم كليا أو جزئيا مبنى أو منشأة ذات طراز معمارى متميز بالحبس ما بين سنة إلى خمس سنوات وغرامة ما بين مائة ألف إلى خمسة ملايين جنيه، مع وجوب شطب المهندس أو المقاول من سجلات نقابة المهندسين أو اتحاد مقاولى التشييد والبناء، مع عدم جواز البناء على أرض المبنى المهدم خمسة عشر عاما إلا فى حدود المساحة والارتفاع اللذين كان عليهما قبل الهدم، فما الذى كان ينقص هذا القانون لكى نعمل على تطويره وما الذى زاده قانون البناء الموحد عندما يجرى هدم المبانى ذات القيمة عنوة هنا وهناك من الإسكندرية إلى المنصورة إلى القاهرة وغيرها تحت سمع وبصر القانونيين ومسئولى تطبيقهما.
فى حين أن القانون 144 لسنة 2006 يحتوى 17 مادة بما فيها العقوبات ويضم مواد الهدم والحفاظ، نجد ما زاده قانون البناء الموحد فى بابه الثانى الخاص بالتنسيق الحضارى والمحتوى على 12 مادة هو تقسيم المهام وتحديدها، فجاء فى فصله الأول لتنظيم أعمال التنسيق الحضارى، وفى فصله الثانى عن المناطق ذات القيمة المتميزة، وفصله الثالث اختص بالإعلانات واللافتات وتداخل معه فى هذا الفصل القانون رقم 66 لسنة 1956، كما جاء فى بابه الرابع الحفاظ على الثروة العقارية حيث جاء فصله الأول لتنظيم اتحاد الشاغلين، وفصله الثانى فى شأن صيانة وترميم العقارات وهدم المنشآت الآيلة للسقوط، فى مجمل 29 مادة للحفاظ على الثروة العقارية، أى فصل وفسر القانون شئون التنسيق والحفاظ فى 41 مادة كان الأولى فيها تطوير قانون 144 لسنة 2006 وعدم تضمين القانون الموحد شئون التعامل مع المبانى والمنشآت القائمة والاكتفاء باختصاصه فى شئون التخطيط العمرانى والبناء لما هو مزمع إنشاؤه، وإفراد مواد لتنظيم أعماله المتداخلة مع قانون نقابة المهندسين وقانون الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء.
***
لقد جاء قانون البناء الموحد غير ملزم فى شأن اتحاد الشاغلين، وترك أمر تأسيسه للشاغلين على أن تقوم وحدة الإدارة المحلية بتوثيق وإشهار الاتحاد دون إلزام، وقد أفتت وزارة الإسكان فى الرد على المحافظات بأنه لا يجوز للأحياء فرض تأسيس اتحاد الشاغلين، فى حين جاءت المادة 70 من القانون الموحد تلزم اتحادات الملاك بتوفيق الأوضاع إلى اتحادات شاغلين خلال سنة منذ صدور اللائحة التنفيذية عام 2009، ولم يأت القانون على ذكر جميع المبانى القائمة ومعظمها لم يكن له اتحادات ملاك، ومعظم الشقق إيجارات قديمة، كما لم يوجب القانون فى لائحته سكان القانون الجديد عضوية اتحاد الشاغلين بل تظل العضوية لمالك الشقة أو المستأجر بالقانون القديم، ألا تستوجب الثروة العقارية التى تقدر بما يفوق 300 مليار دولار الإلزام بالحفاظ عليها، أليس من الاقتصاد أن يوجه 1% فقط من قيمة تلك الثروة سنويا لصيانتها بما يتيح حجم تعامل فى الصيانة لا يقل عن 3 مليارات دولار لتؤسس شركات وتتيح فرص عمل للشباب ومجالات تدريب وصقل خبرات حرفية.
لماذا لا يخصص 1% من قيمة كل عقار بدون احتساب قيمة الأرض ليكون متوسط قيمة الصيانة الشهرية للوحدة السكنية لا يتعدى 40 جنيها لو أضيف إليها مهام الأمن والنظافة واستهلاكات الكهرباء المياه للأجزاء المشتركة فى العمارة لما تعدى نصيب الوحدة السكنية 150 جنيها شهريا فى الإسكان فوق المتوسط فما أعلاه والإسكان المتوسط نحو 100 جنيه والأدنى من ذلك فى حدود من 40 إلى 70 جنيها، إذا تولت شركات القيام بتلك المهام سواء بتنظيم أعمال اتحادات الشاغلين للعقارات فيما يختص بالصيانة فقط أو القيام بكافة المهام فى المناطق التى تحتاج ذلك، وفى حين ذكر القانون الموحد إمكانية تأسيس شركات تقوم مقام اتحاد الشاغلين إلا أنه لم يأت على ذكر تنظيم عملها، وهناك دول تلزم المبنى أو التجمع العمرانى الجديد بالتسجيل لدى شركة صيانة عقارية.
قد يكون من المفيد إلغاء الباب الثانى والرابع من القانون الموحد والخاصين بالتنسيق والحفاظ وردهما إلى القانون رقم 144 لسنة 2006، مطورين إياه لتضمينه الإلزام باشتراطات التنسيق الحضارى والإلزام بصيانة المبانى والمنشآت وبيان دور كل من المحليات ونقابة المهندسين والاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء كل فيما يخصه بشكل واضح ومحدد وملزم؛ ليخرج القانون بالجدية الكافية لتطبيقه مع توسعة قانون البناء الموحد فيما يتعلق بالتخطيط العمرانى والبناء فى القرية المصرية والمدن الجديدة.