قبل أيام قليلة من الذكرى الخامسة لثورة يناير، يبدو وكأن هناك سنين طويلة تفصلنا عن تحقيق أهدافها الكبرى، وعن الشعارات التى رفعتها فى ميدان التحرير، فالمسافات تتسع بين ما نادى به ثوار يناير وبين السياسات التى يتم تطبيقها الآن .
الحريات العامة تكبلها قوانين صارمة. والعدالة الاجتماعية مرت شعاراتها كسحابة صيف، دهستها عجلات قطار الخصخصة ورأسمالية المحاسيب. والكرامة الإنسانية لاتزال تنتهك تحت وطأة الفقر والعوز وضياع الأمل فى حل قريب. وشباب الثورة غائبون عن المشهد، ينظرون خلفهم فى غضب، والثوار القدامى ضاقت بهم الحيل، فى حين صار رجال الثورة المضادة نجوم المرحلة بعد أن جمعوا فى أيديهم – من جديد ــ خيوط السلطة والثروة!
قد يرى البعض أن الرئيس السيسى يتحمل المسئولية الأكبر عما يحدث، وأن سعيه لبناء مشروعات اقتصادية استراتيجية طموح وضخمة، لا يقابلها أى مشاريع سياسية واضحة لبناء نظام ديمقراطى يليق بشعارات يناير، ويتسق مع روحها الثورية، ومفاهيمها التى تستهدف تغيير طبيعة السلطة الاجتماعية الحاكمة فى مصر، فى حين يقول مؤيدوه إن الرجل يحمل مسئولية صعبة فى مناخ عاصف داخليا وإقليميا ودوليا، وفى ظل خطط عالمية لإعادة هندسة الإقليم كله باستخدام الحروب والضغوط الاقتصادية والسياسية، وأنه يضطر لانتهاج سياسات براجماتية وإصلاحية، سوف تستغرق بعض الوقت حتى تؤتى ثمارها، وأنها – قبل ذلك ــ تجنبنا مصيرا مظلما تواجهه عدة دول عربية تعانى ويلات حروب أهلية، وتدخلات أجنبية سافرة!
أيا كان الأمر، فإن ثوار يناير أيضا يتحملون مسئولية كبرى عما آلت إليه مطالب ثورة يناير، بافتقادهم إلى نظرية ثورية تتبناها جماهيرهم، وتنظيم ثورى يلتفون حوله باعتباره أداتهم الوحيدة لتحقيق مطالبهم والحفاظ عليها، وبوقوع فصائل منهم فى تحالفات مشبوهة مع قوى ركبت موجة الثورة لتحقيق مصالحها الحزبية الضيقة، وبتصدر عناصر شبابية مشبوهة المشهد الإعلامى أثناء الثورة، وثبت أنهم كانوا مجرد أبواق لدوائر أمريكية وصهيونية كانت تخطط لخلع مبارك، وتسليم مفاتيح البلد لجماعة الإخوان المسلمين!
رغم قتامة الصورة، فإن هناك ضوءا فى نهاية النفق، تبدو من خلاله ثورة يناير حاضرة فى الضمير المصرى، فهناك أهداف استراتيجية كبرى حققناها بدرجات متفاوتة من النجاح منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، لاتزال تلقى بظلال خافتة على جميع جوانب حياتنا، وتحفر لنفسها ببطء مكانا فى العقل السياسى المصرى، أهمها سقوط فكرة الفرعون الحاكم نصف الإله الذى لم نكن نستطيع أن نحاسبه بالمفاهيم الديمقراطية الحديثة.
هناك أيضا الرفض الشعبى القاطع لفكرة الاستبداد المؤسسى الذى مارسته علينا الدولة ــ بنت الحاكم الفرعون ــ ربما على مدى تاريخنا كله، فلم يعد أحد فى مصر الآن يخاف من بطش الحكومة، ولا حتى من بعبع أمن الدولة، بعد أن اتسعت دائرة الوعى الشعبى الرافض للسلطة المستبدة، وإعطائها شيكا على بياض لتفعل بنا وفينا ما تشاء، مقابل حد أدنى من الحقوق والحريات الإنسانية، وهو ما عبرت عنه بوضوح المشاركة المتزايدة للمرأة والأقباط والمهمشين فى الشأن العام.
أما الإنجاز الثالث الذى حققته ثورة يناير، فيتبدى فى انهيارالأسس الأخلاقية لدولة الفاشية الدينية التى ميزت حكم مافيا الإخوان، أما الهدف الرابع، فهو ذلك الحضور الطاغى لمطلب العدالة الاجتماعية بين جموع المصريين، والذى يتراوح ما بين رؤى إصلاحية حذرة فى التعامل مع هذا الملف الشائك، وبين رؤى ثورية تبحث عن تغيير هيكلى جذرى فى توزيع الثروة والسلطة.
قد لا تكون الطرق معبدة أمام هذه الأهداف لكى تصل إلى محطتها الأخيرة، وقد تلاقى ممانعة من أوساط لا تزال تمتلك سلطات تنفيذية بحكم مناصبها فى بعض المؤسسات الأمنية والاقتصادية بتحالفاتها مع دوائر الدولة العميقة، ومع شبكة أصحاب المصالح المرتبطة بالفلول، إلا أن عقارب الساعة لن تعود للوراء، حتى وإن تأخرت عدة سنوات عن موعدها!
محمد عصمت