بعد أن فرحنا وصفقنا واحتفلنا بالإنجاز الكبير الذى تحقق فى المؤتمر الدولى لدعم الاقتصاد المصرى والذى انعقد فى شرم الشيخ، هناك مهمة قومية كبرى ينبغى على الحكومة وأجهزتها ومعها كل المجتمع أن ينجزوها على وجه السرعة وهى أن يشرحوا ويوضحوا للناس حقيقة الأزمة الاقتصادية الخانقة التى نعيشها والأهم حقيقة الأرقام الضخمة والمشروعات الكبرى التى تم الإعلان عنها خلال المؤتمر وكيف سيتم إنفاقها.
طوال أيام المؤتمر الثلاثة من الجمعة إلى الأحد تابع غالبية المصريين أخبار المؤتمر وكأنهم يتابعون مبارة الأهلى والزمالك أو برشلونة وريال مدريد بما أن الدورى المحلى متوقف ومستواه فى الأصل شديد السوء.
خلال متابعة المؤتمر استمع بسطاء المصريين إلى مشروعات وصفقات بأرقام فلكية بمليارات الدولارات. ليس كل المصريين خبراء فى الاقتصاد وبالتالى ليس مطلوبا منهم إدراك أن عائد استثمار الأموال فى المشروعات الكبرى سيأخذ وقتا طويلا، ولن يظهر بين يوم وليلة.
بعض المواطنين يعتقدون أن المليارات التى سمعوا عنها خلال المؤتمر سيتم توزيعها عليهم بالتساوى كما كان يفعل أحيانا معمر القذافى فى تقلباته وأفكاره غريبة الأطوار!.
هل تتذكرون كيف فكر بعض المصريين عندما تم تسريب رواية غامضة بأن هناك ثروة قدرها ٧٣ مليار دولار مودعة فى بنوك أجنبية تخص حسنى مبارك قبل سقوطه بأيام قليلة؟.
فى هذا الوقت كان بعض المواطنين يعتقد أنه يجب استرداد هذا المبلغ وتحويله إلى العملة المحلية ثم توزيعه عليهم بالتساوى «عشان يقبوا على وش الدنيا»!!.
البعض للأسف يفكر حتى الآن بهذه الطريقة. هو لا يزال يعتقد أن كل ما تم الإعلان عنه سوف تستولى عليه الحكومة التى ينبغى عليها أن «تدلع مواطنيها وتشبرقهم»!!.
على الحكومة والإعلام وكل من يهمه أمر هذا الوطن أن يشرحوا للناس خطورة مثل هذه الأفكار البسيطة والخطيرة والمدمرة.
عندما يصدق البسطاء هذه الأفكار، ثم لا يجدون عائدا مباشرا يصابون بإحباط شديد وقد يصدق بعضهم أن الحكومة «سرقت أو لهفت» هذه المساعدات خصوصا مع خبرة المواطنين مع فساد غالبية الحكومات السابقة منذ التطبيق الكارثى لسياسة الانفتاح الاقتصادى عام ١٩٧٤.
مطلوب أن نقول للناس إن ما تم الاتفاق عليه فى شرم الشيخ أشياء متنوعة لكنها فى كل الأحوال ليست أموالا سائلة وحتى لو كان بعضها كذلك فلن يتم توزيعا على الناس.
هذه الاموال بعضها استثمار أجنبى أو محلى مباشر فى مشروعات بنية تحتية أو إنشاء محطات طاقة أو تكرير بترول، وهذه المشروعات لن نرى نتائجها قبل فترة طويلة تترواح بين ثلاث وخمس سنوات مثلا. وبعضها مذكرات تفاهم لم تتحول إلى اتفاقات نهائية وتحتاج إلى نقاش وتفاوض، وبعضها ودائع من دول الخليج فى البنك المركزى لزيادة الاحتياطى من النقد الأجنبى لزيادة ثقة المؤسسات الدولية فى اقتصادنا وضمان تمويل الواردات، وجزء آخر من هذه المساعدات لشراء مواد بترولية، وجزء قد يستخدم لسد فجوة العجز فى الموازنة العامة.
وبالطبع لكى يقتنع الناس بكل ذلك ينبغى أن يلمسوا جدية الحكومة وأن يروا جهدا وعملا سريعا ومتابعة دائمة لهذه المشروعات، وياحبذا لو كانت هناك جداول زمنية للتنفيذ.
لكن الخبر المفرح هو أن هناك أثرا مباشرا لكل هذه الاستثمارات سوف يلمسه المواطن حينما تدور عجلة الإنشاءات فى هذه المشروعات مما يخفف من حدة أزمة البطالة وينعش قطاع المقاولات الذى يجر خلفه العديد من المهن الأخرى.