المدن الذكية.. تكنولوجيا وإدارة لا مظاهر مستعارة - وائل زكى - بوابة الشروق
الأربعاء 18 ديسمبر 2024 11:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المدن الذكية.. تكنولوجيا وإدارة لا مظاهر مستعارة

نشر فى : السبت 18 مارس 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 18 مارس 2017 - 9:20 م

خبير التخطيط ومحاضر التنمية والتخطيط العمرانى
هل هناك مدن غبية؟ إذا كنت تعتقد فى تصنيف البشر بالذكاء والغباء، إذا فقد يصدق تصنيف المدن فى ذكائها وغبائها، فالمدن كالكائنات الحية، تولد وتنمو وتشيخ، تزدهر وتشتهر وتأفل وتضمحل، وقد تموت وتندثر بلا ذكر ولا أثر. أنا أومن أن الذكاء والغباء وليد مقومات شخصية وظروف محيطة وخبرات حياتية تبدأ منذ اليوم الأول لبدء الحياة، فليس هناك غبىٌ بالفطرة، فالفطرة تقدم دوما خامة نقية للموروث الجينى تبدأ أولى احتكاكاتها خلال موروث ثقافى من المحيط المتعامل، ثم تبدأ فى التغير سلبا أو إيجابا أو الثبات أو حتى التبدل الكامل.
بعض القرى أو الكفور المنعزلة تظل على فطرتها بسبب انعزالها عن عوامل التغير وتثبت على موروثها الجينى وتراثِها الثقافى، وعلى الجانب الآخر بعض المدن التى توافرت لها ظروف تجعلها شديدة التعرض للاحتكاك الثقافى المختلف والتأثر بالظروف الاجتماعية والاقتصادية العامة، تجدها سريعة التطور والتأثر بالمتغيرات المحيطة. كلاهما يقدم بيئة حياتية تناسب مواطنيها، الأولى ريفية تقدم جميع الحلول الحياتية الملائمة لمتطلبات الريفى، والثانية حضرية تتفاعل مع ظروفها المؤثرة وتقدم حلولا تتواءم دوما ما بين متطلبات قاطنيها ومتطلبات استدامتها واستمرارية قيامها بدورها فى تحدٍّ يومى، تنافس مثيلاتها وقد تبتكر وتتبوأ الريادة. ما بين النموذج الأول والثانى ليس هناك مكان لتصنيف أيهما أكثر ذكاء من الآخر، فكلاهما يجمعهما السعى لتوفير الحلول سواء التراثية أو المبتكرة لجعل حياة قاطنيهما أكثر سهولة وتحقيقا لمتطلبات المعيشة وسبل الاستدامة.
***
من الحكمة مواجهة المواقف اليومية داخل المدينة بحلول تأتى من الخبرات الإدارية، ولكن من الذكاء أن نؤسس لسياق معيشى وممارسة حياتية لا تتعرض لمواقف سلبية يومية ما بين متكررة لدرجة الاعتياد ــ كالحوادث المرورية مثلا ــ إلى الطارئ ثم الكارثى، وما بين اعتياد المتكرر حتى يصير أسلوب حياة ــ كالحوادث المرورية تحديدا ــ إلى مواجهة الأزمات والكوارث كما لو كانت مواقف طارئة تزيد فيها فقط وتيرة السلبيات المعتادة، يأتى دور الإدارة البلدية أو المحلية لتقدم لنا حلولا تيسر الممارسة الحياتية لتلائم متطلبات القاطنين والقادمين ومستعملى الأبنية والشوارع والظروف السلوكية والمشكلات البلدية وأيضا متطلبات الاستدامة والتنافس، إلى حد ابتكار الوسائل المعيشية ووسائل استخدام المدينة بمبانيها وطرقاتها بأسلوب ذكى ومبدع متناسب مع الإمكانات المتاحة وثقافة المستخدمين والبيئة المحيطة.
طبقا لموقع فوربس (Forbes) فى تصنيفه لمائة وواحد وثمانين مدينة على مستوى العالم، فى ثمانين دولة ومنها اثنتان وسبعون عاصمة، تأتى نيويورك فى مقدمة المدن الذكية بالعالم، فى حين تأتى مدينة ملبورن فى أستراليا على قمة أكثر المدن ارتياحا فى المعيشة على الكوكب، حيث يعرضها ذات الموقع الإلكترونى لفوربس، وهذا يعنى أنه ليس بالضرورة أن تكون أكثر المدن ذكاء هى ذاتها أكثر المدن ملاءمة للمعيشة، وأن الأمر يتعلق فى تصنيف المدن الذكية على قدرة الإدارة ووعى الساكنين على معالجة مشكلاتهم الحياتية التى يواجهونها. وهنا تأتى أهمية الرجوع إلى معايير التصنيف ومؤشرات التقييم، فتشمل معايير التصنيف لأكثر المدن ذكاء استغلال الموارد البشرية والتآلف الاجتماعى، الاقتصاد والإدارة العامة، الحوكمة والبيئة والتنقل والنقل، التخطيط الحضرى والوعى العالمى، ثم التكنولوجيا. فى حين تذهب مؤشرات جودة الحياة وأفضل المدن للمعيشة إلى الطقس المناسب ووسائل الانتقال وتوفر الخدمات المرفقية ونظم التعليم والصحة وغيره، أى أن جودة الحياة قد تتوافر بالمقومات الطبيعية إلى جانب الجهد فى توفير سبل المعيشة المريحة.
***
أليس فى كل من الذكى والمريح من المدن إدارة؟ بلى، هناك إدارة للمدينة فى حين تظل أذكى مدن العالم ليست هى أكثر المدن راحة فى المعيشة أو أعظمها فى جودة الحياة!، ولكن تعمل إدارتها باستمرار على بذل الجهد فى حل المشكلات الحياتية بدءا من البيئية وانتهاء بالعلاقات الاجتماعية، مرورا بجميع الجوانب الحضرية والاقتصادية المتفاعلة داخل مجتمع المدينة وإطار النظام العام للبلد المنتمى له المدينة. من الأهمية أن نرجع إلى معايير تصنيف أكثر المدن ذكاء الواردة لتجد أن جميعها يعتمد فى إنجازها وإنجاحها على التخصص، فى إدارة الموارد البشرية والعلاقات والإدارة والحوكمة والنقل والمرور والتخطيط والتكنولوجيا، وقد تقترب الصورة أكثر عندما نعلم أن ثانى المدن ذكاء هى لندن والثالثة هى باريس.
لن آتى على ذكر مدننا وأين تقبع فى أى من التصنيفين، ولكنى لا أستطيع المواربة والالتفاف حول أهمية ومفهوم الإدارة المحلية فى بلدنا، وكيف تؤثر العوامل الأمنية والاقتصادية فى طبيعة اتخاذ القرار وأولوياته ومعالجة مشاكلنا الحياتية وواقعنا الحضرى والريفى المعيش، ولن أتعرض لتصنيف أكثر المدن فساد إداريا لإجراء مقارنة تدخل مع التصنيفين المعنيين بالعرض والتحليل هنا، ولكن علينا أن نعترف أن جانبا كبيرا من مشكلة التقدم الحضرى خاصة والعمرانى عامة فى بلدنا يعود إلى مفهوم إدارة المدن خاصة والعمران عامة، وهو أمر لا يعود إلى الانتقاص من أهمية ما نعانيه أمنيا واقتصاديا ولكن إلى الاهتمام أكثر بالأخذ فى الاعتبار داخل منظومة الإدارة المحلية إتاحة الشق التخصصى والخبرة العلمية والتنفيذية فى مجالات الاجتماع والاقتصاد والإدارة والحوكمة والنقل والمرور والتخطيط والتكنولوجيا، ليس على مستوى الإدارة العليا فى التخصصات الوزارية ولكن على توليفة ذلك كله فى نظام الإدارة المحلية ذاتها وسياسات العمل على أرض الواقع داخل مدننا وقرانا.
***
لننتقل إلى الشارع لنستعرض بعضا مما قد ينقل مدينتنا إلى مصاف المدن الذكية، وقد يعتبر البعض هذا الانتقال عند استعراض تفاصيله أبسط مما يدور حوله المقال من مواجهة قضايا الإدارة المحلية ومفاهيم الحوكمة، ولكن دع ذلك لمقالات أكثر تخصصية ولمسا لتفاصيل العمل المحلى والبلدى، لنجد أوضاعا قد تغيب عنّا وتشكل هاجسا لدى قطاع كبير من مستعملى الشارع ولكنها تقدمنا خطوة نحو السعى لإيجاد حلول تنقل مدننا إلى وضع أكثر تجاوبا مع مشاكل الشارع ومتطلباته. فكم مواطن يسير فى شوارعنا باحثا عن دورة مياه فضلا عن كونها آدمية ليقضى حاجته، ألا تحتاج تلك المشكلة حلولا ذكية، وابتكارات قد تطرح لها المسابقات التكنولوجية والعمرانية وغيرهما.
سبل جمع القمامة والمخلفات من المنازل والطرقات ووسائل التجميع والنقل والتخلص والتدوير، هل تراها مشاكل قديمة ومستهلكة التفكير؟ إذا هل توصلت لحلول ناجعة لها؟ هل تتركها على مبدأ ليس بالإمكان أحسن مما كان؟ مواقف السيارات للانتظار ومواقف حافلات نقل الركاب وأماكن انتظارهم للتحميل وخطوط النقل، أساليب رى الحدائق والجزر الوسطى بالشوارع بطرق اقتصادية ومجدية، استغلال الشبكة المعلوماتية فى توجيه المرور وقياس العوامل الجوية لإمداد السائقين بها على طرق السفر ومعاونتهم داخل المدن على إيجاد أماكن انتظار، الإضاءة الذكية للشوارع، لن أحدثك عن شحن الهاتف بمواقف السيارات بل وشحن السيارة الكهربائية ووسائل معاونة ذوى الاحتياج الخاص. إن كنا نرى فى ذلك رفاهة فذلك يؤكد احتياجنا للأخذ بمعايير تصنيف المدن الذكية بدءا بدعم الوعى المجتمعى ونظم الحوكمة وتطوير نظم تكنولوجية ملائمة إن كنا نتطلع لمدننا تقف فى مصاف المدن الذكية على الرغم مستوى جودة الحياة بها.

وائل زكى استشاري التخطيط العمراني وعضو مقيم عقاري بلجان طعون الضرائب العقارية، ويعمل كأستاذ للتخطيط العمراني وتاريخ ونظريات تخطيط المدن ومدرب معتمد إدارة المشروعات
التعليقات