حتى لا يتحول العراق إلى فلبين ثانية - محمد السماك - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 6:22 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى لا يتحول العراق إلى فلبين ثانية

نشر فى : الأحد 18 أبريل 2010 - 9:40 ص | آخر تحديث : الأحد 18 أبريل 2010 - 9:40 ص

 يتحدث المؤرخ الأمريكى وأستاذ التاريخ فى جامعة شيكاغو البروفيسور بروس كانينج فى كتابه الجديد «الهيمنة من البحر إلى البحر» عن التوسع العسكرى الأمريكى فيقول :
«بدأ التوسع الأمريكى يشبه الإمبراطوريات الأوروبية القديمة، عندما توجهت الولايات المتحدة شرقا، فانتزعت فى عام 1898 الفلبين من إسبانيا ( بالمناسبة سميت الفلبين نسبة إلى الملك الاسبانى فيليب) أدّى إلى الاحتلال وليس إلى التحرير..

انه الأسلوب ذاته الذى اعتمد فى السابق ضد الهنود الأمريكيين، وهو أسلوب الإرهاب والجرائم الجماعية والحصار والعزل مما أدى إلى قهر الفلبينيين وإخضاعهم. إن تسعة أعشار جنرالات الجيش الأمريكى الذين قاتلوا فى الفلبين سبق لهم أن قاتلوا ضد الهنود».

واليوم تنتشر 800 قاعدة عسكرية أمريكية فى العالم. ومن المتوقع أن يزيد هذا العدد خمس أو ست قواعد جديدة يجرى بناؤها فى العراق.

ومن المقرر أن تنسحب القوات الأمريكية من هذه الدولة العربية فى العام المقبل، إلا أن آلاف الجنود سوف يبقون فى هذه القواعد والمراكز العسكرية كما حدث مع الفلبين. ولذلك يخشى من تحويل العراق إلى فلبين جديدة، أى الانتقال من الديكتاتورية التى كان يخضع لها العراقيون فى العهد السابق، إلى الاحتلال الأمريكى.

فى عام 1898 تحررت الجزر الفلبينية من الاحتلال الاسبانى لإخضاعها للاحتلال الأمريكى المستمر بشكل أو بآخر حتى اليوم. وفى عام 2003 تحرر العراق من النظام السابق لإخضاعه للهيمنة الأمريكية المستمرة حتى اليوم.

يروى المؤرخ كانينج فى كتابه عن الجنرال الأمريكى الذى قاد حملة اجتياح الفلبين انه قال «ربما يكون من الضرورى قتل نصف الشعب الفلبينى حتى يمكن للنصف الباقى أن ينعم بمستوى معيشة أفضل». ولذلك يمكن القول إن مهمة الاجتياح حققت نصف نجاح فقط.. فقد قتل تقريبا نصف الفلبينيين فى الاجتياح الأمريكى لبلادهم، ولكن النصف الباقى لا يزال يرزح تحت أعباء الفقر والحرمان.. ولم يرتفع مستوى معيشتهم باستثناء حفنة صغيرة من المحظوظين من ذوى النفوذ.

أما بالنسبة للعراق فإن من حسن الحظ انه لم يقتل نصف الشعب العراقى. ولكن رقم الضحايا تجاوز المليون إنسان وهذا رقم كبير جدا. ثم إن مستوى المعيشة لدى العراقيين لم يرتفع ولم يتحسّن، ولكنه تراجع كثيرا إلى الوراء، خاصة فى الميادين الثلاثة الصحية والتعليمية والاجتماعية.

صحيح أن العراق تحرّر من نظام الرجل الواحد وانه ينعم اليوم بالديمقراطية، إلا أن الصحيح أيضا ان العراق فقد وحدته الوطنية وهو يعيش يوميا هواجس الاصطدامات المسلحة على المستويين المذهبى والعنصرى.

وصحيح أيضا أن العراق استرجع حرياته العامة التى كانت تتعرض للانتهاك، إلا انه فقد أو كاد مكونا أساسيا وتاريخيا من مكوناته البشرية والفكرية، ممثلا بالمسيحيين العراقيين الذين اضطروا للهجرة بحيث لم يبق منهم سوى النذر القليل.

وصحيح كذلك أن العراق تخلص من كابوس الاضطهاد الذى كانت تمارسه السلطة السابقة، إلا أنه وقع بين مخالب تنظيم القاعدة الذى استدرجه الاجتياح الأمريكى إلى بلاد الرافدين. فالعمليات الإرهابية الخطيرة التى ألحقت بالعراق الخراب والدمار، نفذت تحت شعار التصدى للاحتلال الأمريكى.

وإذا كان تسعة أعشار جنرالات الجيش الأمريكى الذين قادوا معارك اجتياح الفلبين سبق لهم أن قادوا العمليات العسكرية ضد الهنود الأمريكيين كما يقول المؤرخ كانينج فى كتابه، فلعل تسعة أعشار الجنرالات الذين اشتركوا فى اجتياح العراق سبق لهم أن قادوا العمليات العسكرية فى كوريا وبعد ذلك فى فيتنام. حتى ان الرئيس الأمريكى باراك أوباما نفسه لم يتردّد وهو يتسلم جائزة نوبل للسلام ان يؤكد إيمانه والتزامه بما سماه «الحرب العادلة».

أما كيف تكون الحرب حربا عادلة، ومن له حق إطلاق هذه الصفة على عملية يسقط فيها عشرات الآلاف من الأبرياء فتلك قضية أخرى. وكان الرئيس أوباما صادقا مع نفسه ومع الشعار الذى رفعه عندما أرسل إلى أفغانستان قبل توجهه إلى ستوكهولم لتسلم جائزة نوبل للسلام تعزيزات عسكرية إضافية زادت على العشرين ألفا.

والواقع أن «الحرب العادلة» فى النظرية الأمريكية ربما تكون بدأت عندما انتزعت الولايات المتحدة ولاية كاليفورنيا من المكسيك بالقوة العسكرية. ومن ثم بدأ المشروع العسكرى الأمريكى لتحويل المحيط الباسيفيكى إلى بحيرة أمريكية!.

قبل الاجتياح الأمريكى للعراق فى عام 2003 لم يكن العالم العربى يعرف شيئا اسمه الاحتلال الأمريكى. عرف العالم العربى دورا تحريريا للولايات المتحدة عندما اعترض الرئيس الأمريكى الأسبق الجنرال أيزنهاور على العدوان الثلاثى (البريطانى ــ الإسرائيلى ــ الفرنسى) على مصر، وعندما وقف ضد احتلال قوات الدول الثلاث لصحراء سيناء وطول ساحل قناة السويس من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر.

وكان الموقف الأمريكى أحد الأسباب الرئيسة لفشل العدوان ولاضطرار قوات الدول الثلاث إلى الانسحاب رغم تأميم قناة السويس. غير أن هذه الصورة الودية لم تعش طويلا. وذلك بعد أن سحبت الولايات المتحدة عرض تمويل بناء السد العالى، وأوقفت بيع مصر أسلحة دفاعية كانت بأمسّ الحاجة إليها.

أما الآن فقد عرف العرب مرارة الاحتلال الأمريكى وعرفوا أنها لا تختلف فى شىء عن مرارة الاحتلالات القديمة الأخرى البريطانى والفرنسى وحتى الإيطالى.. فكيف سيتصدى العراقيون ومِن ورائهم العالم العربى كله لعملية تحويل العراق إلى فلبين ثانية؟!



محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات