بدأت أيام الشهر الكريم، ومن فضل الله سبحانه أن مد الحر لم يبدأ بعد، رغم أن ساعات الصيام تزيد على الاربع عشرة ساعة فإن احتمالها ممكن مع نسمة الهواء الصيفية التى تهب خلال النهار. أول ما أحسب له الحساب فى رمضان هو السؤال التقليدى الذى يحاصرنى به مرضاى على اختلاف حالاتهم وبلا أى استثناء هل يمكننى الصيام؟
الواقع أن المريض يسأل بلهجة من لا ينتظر منى قرار إنما يسألنى وقد انتهى إلى قرار ينتظر منى الموافقة عليه فى تحفز.
حينما أبدأ الحديث وقبل أن أسترسل فى سرد الأسباب يقاطعنى «صوموا تصحوا».
بالطبع أنا لا أعترض على أن فى الصيام صحة. راحة لأجهزة الإنسان خاصة الكبد والجهاز الهضمى وتحفيز لعمل دفاعات المناعة فى الجسم إلى آخر قائمة الفوائد التى يتفنن البعض فى تفنيدها وتعديدها لكن لكل شىء فى الدنيا أسباب وشروط.
فرض الصيام لمن «يطيقه» حتى أن الفريضة جاءت تلازمها الرخصة.
الإفطار جائز للمسافر سليم البنيان مكتمل العافية فكيف بالمريض؟ هناك أمراض بلاشك قد يؤدى الصيام فيها إلى تداعيات لا تحمد عقباها. مريض القلب والشرايين الذى يستوجب علاجه تناول أدوية تتحكم فى سيولة الدم الخطورة الجسيمة أن تنحسر نسبة الماء فى الدم ليه فكيف يمكن أن يسمح له طبيب بالصيام؟
أمراض الكلى والكبد وغيرها. مريض السكر الذى يحقن بالأنسولين!
قد لا يتأثر الإنسان بالصيام عن الطعام لكن حجر الزاوية فى الأمر كله هو الماء الذى يدخل فى كل تفاعلات البناء والهدم التى يقوم بها الجسم بصورة تلقائية تعبر عن الحياة. مشقة الصوم وحدها كافية ووجود المرض أيا كان يعنى أن هناك خللا ما سيصبح أكثر تعقيدا مع الصوم عن الطعام والماء.
يقع الكثير من الزملاء فى خطأ فى حق مرضاهم حينما يتسابقون فى مصادر الإعلام المختلفة للتأكيد على فوائد الصيام للمرضى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة بل والأصحاء من المسنين والأطفال.
قد يفعلون ذلك تقربا من الله عز وجل أو هكذا يظنون. أنا أفعله عن ذات الرغبة إعمالا بقول إن الله يحب أن تؤتى رخصه. ليس كل عسير أقرب إلى الله ولكن كل يسير فى طاعته، هكذا أؤمن وهكذا أعمل.
عزيزى القارئ حتى وإن الحمد لله اكتملت لك الصحة والعافية قبل أن تبدأ صيامك عليك بزيارة الطبيب وإجراء بعض من التحاليل الطبية التى تشتمل على صورة للدم كاملة ووظائف الكبد والكلى وملف الدهون، إلى جانب ضرورة قياس الضغط.
أما إذا كنت تعالج من مرض مزمن وتتناول الأدوية بانتظام فلك أن تتمهل قليلا قبل أن تصر على الصيام. وأن تناقش طبيبك باستفاضة. ليس فى أذية الجسد الذى خلق الله فسوى أى من آيات جهاد النفس، كما سمعت منذ أيام شيخا جليلا يتحدث فى ثقة.
كان ذو الجلال والإكرام بنا رفيقا فأحل الإفطار لمن لا يطيق الصيام، عل الذى نؤتى رخصه يقابل ذلك الكرم بامتنان وعرفان فيلتفت حوله مادا يده بكل الجود والكرم لمن يحتاج ليست فقط الطعام ولكن كل ما يقيم حياته من علاج أو مواصلة تعليم أو سكن بأدوية أو حتى تذكرة مترو.
هذا زمن تعلو فيه فريضة جهاد النفس لمشاركة الغير والاحساس بالمسئولية تجاه كل شريك لنا فى الوطن. باب جارك مفتوح لست بحاجة لأن تطرقه.