استطاعت منظمة الأقطار المصدرة للبترول (اوبك) العمل لمدة عقد من الزمن تقريبا دون خلافات كبيرة ما بين أقطارها الأعضاء. لكن شكل الاجتماع الوزارى للمنظمة منعطفا مهما فى مسيرة المنظمة هذه المرة، نظرا إلى اخفاق الدول الأعضاء حتى فى إصدار بيان مشترك عند نهاية اجتماعهم فى 8 يونيو فى فيينا. وهذه حالة نادرة فى تاريخ منظمة اوبك، اذ حتى مع اشتداد الخلافات سابقا ما بين الدول الأعضاء، تمكنوا من إصدار بيان مشترك.
لماذا الخلافات فى أوبك خلال هذه المرحلة؟ كما هو معتاد فى هذه الأحوال، لا يوجد سبب واحد للخلافات.
فهى متعددة ومتنوعة. وبعض هذه الخلافات علنى ومصرح به، والبعض الآخر لا يزال خفيا. إن الخلاف الواضح والعلنى هو حول توقعات معدل الطلب العالمى على النفط الخام فى النصف الثانى من هذا العام؟ تشير ارقام وتوقعات الأمانة العامة للمنظمة ان معدل الطلب سيزيد على 30 مليون برميل يوميا. واستنادا لهذه المعلومات اقترحت كل من السعودية والإمارات والكويت زيادة سقف الإنتاج للمنظمة للفترة المقبلة نحو 30 مليون برميل يوميا. بمعنى آخر، تزويد الاسواق بما تحتاجه من النفط الخام وعدم احداث نقص فى الإمدادات يؤدى بدوره إلى زيادة الاسعار.
نشب الخلاف العلنى حول كمية الزيادة. فالمستوى الرسمى الحالى المتفق عليه لإنتاج دول اوبك (باستثناء العراق الذى لا يزال خارج نظام الحصص للمنظمة) هذا المستوى الرسمى هو بحدود 24 ــ 25 مليون برميل يوميا. وكان قد اتفق عليه فى خريف عام 2008، إبان الأزمة المالية العالمية، وتبنت اوبك هذا المستوى المنخفض من الانتاج لدرء تدهور الاسعار إلى مستويات منخفضة جدا، وبالفعل، انخفض مستوى الأسعار فى حينه من نحو 147 دولارا للبرميل إلى نحو 35 دولارا. لكن تغيرت الأمور والمعطيات منذ ذلك الوقت، ففى الأشهر الأخيرة ارتفعت اسعار النفط الخام إلى نحو 125 دولارا، دون أى سبب اقتصادى مشروع. ومن اجل وضع سقف لمستوى الأسعار العالى، انتجت دول أوبك نحو 29 ــ 30 مليون برميل يوميا، بمعنى آخر أنها تجاوزت سقف الإنتاج المتفق عليه فى خريف 2008. طبعا ان الذى دفع بالأسعار إلى الأعلى فى الاشهر الماضية هو الربيع العربى. فهناك تخوف فى الاسواق العالمية من انقطاع الامدادات او توقفها كليا.
لقد بدأ هذا التخوف مع ثورة الشباب فى مصر، فتخوفت الاسواق من إغلاق قناة السويس أو خط سوميد وارتفعت الاسعار على ضوء هذه المخاوف، رغم أنه لم تحدث أى عراقيل ومشاكل تذكر فى كلا الممرين.
لكن انقطعت الامدادات النفطية مع بدء الثورة الليبية. وقد تم تعويض الأسواق بكميات مماثلة ومشابهة من النفط السعودى. وتبع ذلك الثورة اليمنية، ورغم ان الامدادات النفطية اليمنية محدودة، لا تتجاوز بضعة مئات الآلاف من البراميل يوميا، إلا أن الخوف فى هذه الحال هو من اثار الفوضى فى اليمن: الخوف من توسع نفوذ قراصنة البحر عبر المحيط الهندى (من شواطئ الصومال إلى اليمن، ومحاولات لاغلاق مضيق باب المندب، وتزايد نفوذ القاعدة فى الجزيرة العربية).
هذه جميعها مخاوف، ما عدا الانقطاع الفعلى للنفط الليبى، لكن هذه المخاوف تزيد من عمليات المضاربات التى تدفع الاسعار إلى الأعلى.
برزت وجهات نظر مختلفة حول الأوضاع النفطية فى النصف الثانى من عام 2011. فبعض الدول، مثل الجزائر وانغولا والاكوادور، توقعت أن يكون الطلب محدودا فى المستقبل المنظور لأن الاقتصاد العالمى لا يزال فى غرفة الانعاش، كما أن هناك مخزونا تجاريا نفطيا كافيا لدى الدول الصناعية.
هذه هى الاسباب الاقتصادية والعلنية للخلافات. لكن كان هناك ايضا بعدا سياسيا محتملا. اذ إن هناك مؤشرات عن محاولات ايرانية لرفض اتفاق زيادة الإنتاج (إذ إن لدى ايران نحو 20 مليون برميل من النفط الخام مخزون فى ناقلات تجوب البحار، لكن لا تجد من يشترى هذا النفط ــ بسبب الحصار المفروض على إيران). حاول مندوبو وسائل الاعلام الحصول على جواب واضح من وزراء النفط حول هذا الأمر، لكن لم يحصلوا على أى توضيح. وقد ساندت فنزويلا الموقف الإيرانى أثناء المداولات والتصويت.
لقد أعلنت السعودية أنها ستزيد إنتاجها وتمنع حصول أى نقص فى الإمدادات النفطية. وتضخ السعودية حاليا نحو 9 ملايين برميل يوميا، بينما تبلغ طاقتها الانتاجية الفعلية نحو اثنى عشر ونصف مليون برميل تقريبا. لكن، رغم الطاقة الانتاجية الفائضة العالية لدى السعودية، فإنه كلما تزيد من الانتاج، تنخفض الطاقة الانتاجية الفائضة. وهناك، كما هو معروف، طاقة انتاجية فائضة أيضا فى كل من الإمارات والكويت ــ لكن بكمية محدودة واقل بكثير من السعودية. السؤال الآن فى الأسواق العالمية: من هى الدولة العربية المقبلة المعرضة للتغيير السياسى، وما آثار ذلك على الصناعة النفطية؟
●●●
فى هذا الوقت بالذات تتكرر التصريحات من قبل المسئولين فى الدول الصناعية الغربية، أو من قبل وكالة الطاقة الدولية، حول مخاطر كبرى لنقص الإمدادات فى المستقبل المنظور. هذا يعنى أن أسعار النفط مقبلة على الارتفاع، وهذا يعنى أن المستهلكين فى الدول النامية سيتحملون تكاليف أكثر لوسائل نقلهم، كما أن الدول النامية ستخصص نسبة أكبر من العملات الصعبة المتوافرة لها لدفع ثمن النفط الخام أو المنتجات البترولية المستوردة، وفى نفس الوقت ستدعى الدول الصناعية أن أسعار النفط العالية تعوق إمكانات الانعتاق من الأزمة المالية العالمية.