لا شك أن مصر كانت فى حاجة إلى عاصمة إدارية جديدة خاصة بعد أن اختنقت القاهرة تماما بالسيارات وعوادمها وتكدس الموظفين ويقال إن القاهرة يتحرك فيها كل يوم عشرون مليون نسمة ما بين سكانها وزائريها لأسباب مختلفة، ولاشك أن فكرة إنشاء هذه العاصمة الإدارية تأخر كثيرا ولكن مما نقرأه عنها أنها ستكون على أحدث طراز إدارى تخطيطا وتنفيذا فنحيى القائمين على التنفيذ وخاصة العمال والمهندسين الذين يواصلون الليل بالنهار.
بالتوازى، السيد الرئيس والحكومة مهتمة بإعادة الرونقة للعاصمة الرسمية «القاهرة» فحركة توسيع الطرق وترميم المبانى نراها فى أماكن كثيرة كذلك فى العشوائيات مثل التى تمت فى ماسبيرو خلف مبنى التليفزيون ووزارة الخارجية والتى كانت عارا على مصر فى بقعة تزخر بالفنادق والمتحف المصرى.... وإلى آخره من أماكن سياحية، وسيتم إعادة تخطيط هذه المنطقة، أى إن الدولة تستثمر فى بناء عاصمة إدارية جديدة لمصر وفى نفس الوقت لا تهمل القديم بل تستثمر فيه.
القاهرة الرسمية فيها بعض المواقع التى علينا الحفاظ عليها كعلامة لاستمرار التراكم الحضارى على سبيل المثال إعادة تخطيط ميدان قصر عابدين واستعمال القصر التاريخى فى اللقاءات الكبرى مع رؤساء الدول والسفراء لأن إذا أهمل القصر سيهمل أيضا جزء من تاريخ مصر. نفس الشىء يمكن أن يكون للبرلمان قاعات جميلة وجديدة وحديثة فى العاصمة الإدارية ولكن يبقى حلف اليمين لرئيس الجمهورية والخطاب الافتتاحى للدورة البرلمانية واللقاءات الوطنية الكبرى لتقام فى المبنى القديم بالقاهرة الرسمية والذى شهد أحداثا تاريخية كثيرة منذ أواخر القرن التاسع عشر وقد اعتلى سدتها شخصيات كبيرة لعبت أدوارا مهمة فى تاريخ مصر على سبيل المثال لا الحصر الزعيم سعد زغلول كان رئيسا للبرلمان وخطب من على منبرها الرئيس عبدالناصر والرئيس السادات... إلى آخره.
مقر وزارة الخارجية القديم المواجه لمقر الجامعة العربية والذى شهد وزارء خارجية عظاما وأحداث تاريخية ودبلوماسية كبيرة ورغم أنه خضع للترميم وما زال إحدى مقرات وزارة الخارجية إلا أنه منذ إنشاء برج وزارة الخارجية بجوار مبنى التليفزيون فقد كثيرا من الاهتمام المعنوى وهذا ما علينا أن ننتبه له.
فلا يجب أن تكون العاصمة الإدارية الجديدة مقصا لقطع كل ما هو قديم بل أداة تواصل للتاريخ العظيم والتراكم الحضارى الذى تتمتع به مصر. فالقديم يشهد لعظمتها ومثل لحاضرها وتواصل مع مستقبلها. فمصر ليست الدولة الوحيدة التى ستكون لها عاصمتان واحدة إدارية والثانية رسمية وعلينا الإبقاء على هذا الوضع طالما أمكنا ذلك.