دون الإسراع بإصدار مرسوم بقانون العزل السياسى لحرمان الذين أفسدوا من المشاركة فى الحياة السياسية، يصبح الحديث عن الانتخابات القادمة باعتبارها سباق برلمان الثورة نوعا من العبث وخداع الذات.
إن المرسوم بقانون للعزل أو للإبعاد يمر بحالة ولادة متعسرة، هذا إن افترضنا أن هناك جدية فى إصداره، فى التوقيت المطلوب، وهو الافتراض الذى أنعشته «الأهرام» أمس الأول فى قلوب الجميع حين بشرت بعنوان أحمر فاقع بأن القانون سيصدر خلال ساعات، غير أن الساعات مرت تلو الساعات، ولم نجد أثرا.
ومما ضاعف حالة التفاؤل بإصدار القانون الإعلان عن مد فترة التقدم للترشيح للانتخابات حتى يوم 22 أكتوبر الجارى، وهى الإشارة التى فهمها المتفائلون بأن القانون سيتم تفعيله قبل انتهاء هذه المهلة.
ويمكن القول أننا بصدد اختبار حقيقى لجدية الذين يحكمون البلاد فى حماية هذه الثورة، والحيلولة دون أن يصبح الذين قامت ضدهم الثورة هم أكبر المستفيدين منها، بينما الذين صنعوا الثورة ودفعوا فاتورة الحلم بالتغيير كاملة خارج الصورة، أو كالأيتام على موائد أحزاب شرهة استبدت بها شهوة الاستحواذ على النصيب الأكبر من كعكة البرلمان.
وفى أجواء كهذه محكومة بمكيافيللية مفرطة، من الطبيعى أن تنشأ تحالفات وتفاهمات وصفقات سرية وعلنية أحيانا بين قوى تزعم انتماءها لقيم الثورة، وما يسمى بالفلول أو الذيول أو بقايا النظام الساقط، ولو دققت جيدا ستجد أن الوصفة السائدة فى كثير من القوائم تعتمد على توليفة من فلول وأحزاب كرتونية، مع بعض السلطات (بفتح السين والطاء)، ما يكشف أن معظمهم أدار ظهره للثورة ومبادئها وولى وجهه شطر البرلمان.
وفى هذا الصدد هناك دعوى أمام القضاء الإدارى برقم 1488لسنة 66 قضائية رفعها المحامى على طه يطالب فيها بحل جميع الأحزاب السياسية التى تكونت قبل الثورة فى مطبخ نظام مبارك، وتطبيق العزل السياسى على قياداتها التى شاركت هى الأخرى فى إفساد الحياة السياسية وكانت من أبرز الأدوات التى استخدمها النظام فى تجميل وجهه القبيح.
وتستند الدعوى إلى أن من فلول النظام السابق من اختبأ خلف لافتات أحزاب معارضة، وارتضوا أن يلعبوا دور الكومبارس فى انتخابات 2010، وهى الانتخابات التى أوجدت وضعا كارثيا كان من أهم أسباب التعجيل باندلاع الثورة.
وحقيقة الأمر أن هذه الدعوى لا تخلو من وجاهة ومعقولية، ذلك أن الجميع يدركون أن النظام لا يعنى فقط السلطة الحاكمة، بل يشمل أيضا تلك الكيانات المعارضة التى صنعها النظام على عينه، واصطفاها وقربها وألقى لها بالفتات، سواء فى صورة بعض المقاعد البرلمانية فى انتخابات ثابتة البطلان والتزوير، أو بالتعيين فى المجالس النيابية، وطالما نتحدث عن إزاحة النظام و إسقاطه فمن المفترض أن يشمل هذا الإجراء الرأس والأطراف.
وأظن أن دوى الانفجارات الصغيرة التى تنبعث من مستأنس الأحزاب التى ضبطت متلبسة فى صفقات غير مشروعة مع نظام مبارك، يشير بوضوح إلى أن قياداتها لم تتغير، ولاتزال تمارس هوايتها فى إبرام الصفقات والتحالفات على جثة هذه الثورة، ومن ثم فهى لا تقل خطورة عن فلول الحزب المنحل.
إن الكل فى انتظار بادرة من المجلس العسكرى فى غضون الأيام القليلة المقبلة تعيد بعضا من الثقة المفقودة لدى قطاعات واسعة من جماهير الثورة.. فهل يصدر فعلا تشريع يمنع ذهاب ثمار الثورة إلى أيدى خصومها؟