أمس واليوم 18 و19 يناير، فى مثل هذا الوقت عام 1977 انتفضت مصر وثارت من شمالها إلى جنوبها احتجاجا على رفع أسعار السلع الأساسية، كانت انتفاضة الخبز كما رآها كل صاحب بصر وبصيرة، إلا الرئيس السادات ورجاله وعلى رأسهم وزير داخليته النبوى إسماعيل رأوها «انتفاضة حرامية»، قبل أن يتراجع الرئيس ويلغى كل القرارات التى صدرت فى السابع عشر من يناير، لكن بين القرارات وإلغائها كان الشارع المصرى قد احترق وامتدت ألسنة اللهب إلى قمة السلطة فى مصر، وكان أن تدخل الجيش للسيطرة على الوضع.
كان شتاء ساخنا، لكن سخونته لا تقارن بسعير يناير 2011 الذى اندلع فى تونس وانتشر فى كافة أرجاء الوطن العربى، وأحدث تأثيرات مدوية فى كل مكان، ومصر بالضرورة ليست بمنأى عن توابع الزلزال التونسى.
ونظرة على صحف القاهرة أمس تكشف إلى أى مدى هناك قلق حقيقى من آثار الثورة البوعزيزية، حيث خرجت هذه الصحف وعلى أوراقها تجرى أنهار من العسل والسمن والسكر والزيت والأرز، وتلمع الوعود بإيجاد فرص عمل لمحاصرة البطالة، وتحسين أوضاع المواطن بزيادة حجم الدعم، على عكس ما كان معلنا قبل أسابيع قليلة.
وقبل ذلك كانت التعليمات الصارمة للتجار بعدم إدخال أية زيادات على أسعار السلع فى الوقت الحالى.
باختصار هناك قراءة ما للرسائل التونسية، وإن لم تكن قراءة كاملة تماما، كونها ركزت على المعدة وتركت العقل والوجدان، واعتبرت أن ثورة تونس اندلعت بدوافع اقتصادية فقط.
وهذه القراءة بجانب أنها منقوصة فهى أيضا خطيرة، لأن الشعب التونسى انتفض وهب وثار دفاعا عن الكرامة الإنسانية المهدرة، وطلبا للحريات السياسية والإعلامية، ورفضا للقهر والاستبداد.
وأظن أن اختيار المواطن عبده عبد المنعم يوم 17 يناير لكى يشعل النار فى نفسه أمام مجلس الشعب طلبا للخبز ورفضا لإهانته على يد الأجهزة الرسمية ــ دليل على تفاهة وضحالة وصمه بالمرض النفسى، كما أنه تأكيد على أن المطلوب هو خبز وحرية، وليس خبزا فقط.
وعليه فإن إعادة قراءة درس انتفاضة يناير 77 فى مصر، ودروس ثورة يناير2011 فى تونس باتت فرضا وواجبا على الجميع؛ لأن رائحة الشياط تملأ الفضاء المصرى منذ سنوات، ولم يعد كافيا إحداث فتحات صغيرة للتنفيس هنا وهناك لمنع الاشتعال والانفجار.. اقرأوا التاريخ جيدا وكثيرا.. وافهموا الواقع الحالى أكثر وأكثر، قبل أن يأتى الطوفان.