شىء فاسد .. فى يمن المبادرة الخليجية - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 11:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شىء فاسد .. فى يمن المبادرة الخليجية

نشر فى : الخميس 19 يناير 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : الخميس 19 يناير 2012 - 9:25 ص

سنة أولى ثورة فى اليمن.. مشهدان مشهد أول. تنحى على عبدالله صالح عن بعض صلاحياته الرئاسية لنائبه عبدالرب منصور هادى فى مقابل الحفاظ على الأساسى من النظام اليمنى القائم، بعد تطعيمه بشريك أصغر ينتمى أفراده إلى أحزاب المعارضة القومية واليسارية التقليدية. ولسنا نضيف إليها الاحزاب القبائلية ــ الإسلامية ــ السلفية المنضوية فى «اللقاء المشترك» لأن هذه كانت أصلا جزءا من النظام انشق بعضها عنه تحت ضغط الثورة.

 

مقابل تنحى صالح، ترتكب «المبادرة الخليجية» ــ وهى الاسم الحركى للحل الأمريكى والسعودى فى اليمن ــ عملية تبرئة للفساد ذات احجام تاريخية. لم تكتفِ بتخويل على عبدالله صالح ان يستمر زعيما على الشق الأكبر من النظام، بما فيه أجهزته العسكرية والامنية والادارية، وعلى نصف الحكومة الانتقالية. منحته الحصانة على اعمال القتل والاغتيال والمجازر بحق المواطنين العزل وعلى الهدر والفساد وسوء الادارة والتفرد فى الحكم والحروب الكارثية. ويسرى قانون الحصانة هذا ــ الذى أقرته الحكومة مؤخرا وأحالته إلى المجلس التشريعى ــ على «معاونى» صالح، أى على عدد غير محدد من افراد أسرته ومن المسئولين فى السلطة وفى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية واداراتها خلال عهد دام ٣٤ سنة. ومن أجل إضافة مسحة من السخرية على ما فى قانون الحصانة من مأسوية، تطالب «المعارضة» الآن بمنح الحصانة ذاتها لعدد من قادتها، من عسكريين ومشايخ قبائليين وعلماء الدين، ممن كانوا من أعمدة نظام صالح، وكبار المنتفعين منه، وغادروا السفينة الموشكة على الغرق.

 

للمقارنة: السابقة التاريخية التى أرستها الثورتان التونسية والمصرية فى مساءلة الحاكم وأعوانه على مسئولياتهم عن قتل المحتجين وعن الهدر وإساءة استخدام المال العام والفساد والإفساد. سابقة تكاد ان تختصرها صورة الرئيس المخلوع على محمله فى المحكمة يذعِن أمام القاضى بعبارة الطاعة والاحترام «أفندم»!

 

يجرى هذا كله برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وتواطؤ الامم المتحدة. وكلاهما، ومعه وكالاته الدولية من بنك دولى وصندوق نقد دولى، يبشرنا منذ ربع قرن على الاقل بـ«مكافحة الفساد» و«الشفافية» و«الحكم الرشيد» ويعقد لها المؤتمرات والندوات وحلقات التدريب وينفق عليها مئات الملايين. هى الآن مصطلحات تصفع بما فيها من مخاتلة: حْرف الفساد وجهة الموظف المرتشى، لا صاحب المال والسلطة الراشى، وتوظيف الهجوم على «الفساد» فى خدمة الاجندة النيوليبرالية اياها: الدعوة إلى تحجيم الادارة، وخصخصة القسم الاكبر من فعالياتها، وخفض موازنات الدولة عن طريق وقف الدعم للمواد الحياتية والغاء الانفاق على الخدمات الاجتماعية، وخفض الضرائب، وما إلى ذلك. وكل هذا فى الوقت الذى يتكشف فيه الفساد الفعلى بأحجامه المليارية فى طول العالم العربى وعرضه عن الحاكم ــ السارق يتسلطن على السلطة والمال محاطا بحاشيته من «الاربعين حرامى»، شركاء كبريات الشركات المتعددة الجنسيات فى الانتفاع والفساد والإفساد والنهب غير المسبوق للثروات والموارد الطبيعية.

 

سؤال بسيط: كيف يمكن محاسبة احد على «فساد» ما بعد الحصانة التى اعطيت للفاسدين الكبار؟

 

يزيد فى طين الفساد بلة ان «المبادرة» قضت بتشكيل حكومة دون المطالبة بأى حوار أو نقاش لقضايا يفترض انها ذات صلة باندلاع الأزمة وانطلاقة الثورة. بل أكثر: يتم ذلك بمعزل عن قوى رئيسية معبرة عن تلك القضايا أو عن القوى الجديدة التى اطلقتها الثورة. جرى استبعاد قوى الحراك الجنوبى، والحركة الحوثية، وممثلين فعليين عن تعز، التى دفعت الثمن الافدح من اجل انهاء حكم الطاغية، واخيرا ليس آخر استبعدت قوى الثورة والتغيير الشبابية، أى الملايين المتجددة عزما التى تعتصم وتتظاهر يوما بعد يوم فى الساحات والشوارع والطرقات على امتداد مدن وبلدات وارياف البلد المترامى الاطراف. هذه هى الملايين الشبابية التى فرضت تنحى صالح، وخلخلت نظامه، وقدمت العدد الاكبر من الضحايا والتضحيات فى سبيل ذلك. لم تُستبعد هذه القوى من الاستشارة والمشاركة وحسب. جرى ترحيلها مع قضاياها إلى «مؤتمر الحوار الوطنى» يفترض ان ينعقد بعد انتخابات رئاسية تتم خلال ٩٠ يوما من تشكيل الحكومة ــ على أن لا يترشح لها الا نائب الرئيس! ــ تليها انتخابات برلمانية لصياغة دستور جديد تجرى فى ظله انتخابات جديدة، وكل هذا قبل ان يدعى «المؤتمر الوطنى» العتيد ليناقش قضايا «الحراك الجنوبى والحركة الحوثية والشباب»، حسب تعبير نص «المبادرة» ذاتها.

 

●●●

 

المشهد الثانى: تدخل الثورة عامها الثانى والملايين فى الساحات والشوارع تؤكد مدى اتساع الهوة بين أحزاب المعارضة الرسمية، واصحاب الحل والربط المحليين والخارجيين من المحافظين على «امن النفط»، وبين ما اطلقته الثورة من قوى وتطلعات وآمال. لن تقتصر المعركة على منع البرلمان من منح الحاكم الحصانة والمطالبة بتقديمه للمحاكمة أسوة بسواه من الحكام السراق. حصلت المبارزة الاولى بين قوى الردة وقوى الثورة خلال «مسيرة الحياة» التى نظمها شباب تعز إلى صنعاء فى الاسبوع الاخير من العام المنصرم واستغرقت ستة ايام. اطلق العسكر التابع لعلى عبدالله صالح النار على المسيرة السلمية وسقط احد عشر شهيدا وعشرات الجرحى. دافع السفير الاميركى فى صنعاء عن اطلاق النار على اعتبار ان المسيرة «استفزازية» لأنها تحركت فى مدينة إلى أخرى!

 

سنة اولى ثورة فى اليمن. درس اول: أعرِب العبارة الآتية: قال زيدٌ لعمرو إن الولايات المتحدة تسعى لفرض الديمقراطية على المنطقة!

 

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات