حول زيارة الرئيس الصينى شى جينبنج لمصر - محمد نعمان جلال - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 8:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حول زيارة الرئيس الصينى شى جينبنج لمصر

نشر فى : الثلاثاء 19 يناير 2016 - 10:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 19 يناير 2016 - 10:45 م
تكتسب زيارة الرئيس الصينى إلى مصر التى جاءت بعد زيارتين مهمتين للرئيس عبدالفتاح السيسى للصين، ومن ثم فمن الضرورى أن تعيد كل من القيادتين تقييمها لمكانة الدولة الأخرى ودورها الحضارى وتراثها الثقافى وأهميتها الاستراتيجية وطموحات شعبها. فكل من الدولتين وبخاصة مصر تمتلك موقعا استراتيجيا فريدا، أما الصين فهى بلد المملكة الوسطى أو المركزية، كما أنه ترجمة اسم الصين باللغة الصينية، ولذلك فأهميتها لا تحتاج لدليل فحضارتها وإبداعات تلك الحضارة واضحة عبر العصور. كما أن كلا من القيادتين لديها حلما قوميا بتقدم بلادها فى إطار الصعود السلمى والحضارى، وكل من القيادتين تسعى لبناء نموذج سياسى لا يعادى أية دولة فى العالم بل يستفيد من تجارب مختلف الدول، وكل من القيادتين يواجه تحدى الإرهاب الذى بعضه محلى وبعضه مدعوم من الخارج إقليميا أو دوليا بهدف المساس بسيادة كل منهما أو إعاقة انطلاقاتهما الاقتصادية والوطنية، وكل منهما لديه طموحات الاستفادة من التراث الحضارى فى بناء مشروع قومى أو وطنى لإعادة التراث الحضارى والقوة الاقتصادية. فقناة السويس جزء لا يتجزأ تاريخيا من طريق الحرير البحرى، ومصر وبخاصة الإسكندرية عاصمة مصر القديمة جزء لا يتجزأ من تراث تاريخى فى علاقات البلدين، واستيراد الصين تكنولوجيا مصرية بالنسبة لصناعة الحرير السلعة الرئيسية فى الصين القديمة وتسويقه، وبالنسبة لصباغة المنسوجات، وبالنسبة لطريق الحرير البرى الذى يمر عبر عدة مسالك فى وسط آسيا حتى بلاد الشام ثم يعبر المتوسط للإسكندرية ومنها لأفريقيا وأوروبا.

***
هذا الفهم للمكانة الاستراتيجية وللطموحات الاقتصادية لكل من البلدين، ينبغى أن يكون الركيزة المهمة فى علاقات البلدين فى هذه المرحلة من أجل بناء المستقبل القوى فى علاقات الدولتين، وفى التغلب على مشاكلهما فى القرن الحادى والعشرين، ولا يمكن نسيان دور الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف فى نشر الوعى الدينى السليم لدى المسلمين فى الصين، الذين يمثلون قوة مهمة فى تراث الصينى الحضارى والثقافى وعلاقاتها الاقتصادية مع العالم، رغم ما لحقهم من ظلم فى بعض فترات التاريخ الصينى.
إن ثمة هوة ثقافية ومعرفية فى هذه المرحلة فى فهم ثقافة ودور ومكانة وإمكانيات كل من الدولتين لدى الطرف الآخر، وهو ما يستدعى تجسير هذه الهوة وتعزيز العلاقات، وخير من يمكنه الاضطلاع بهذه المهمة هم الخبراء الصينيون والخبراء المصريون المتخصصون فى لغة وثقافة وحضارة الطرف الآخر، فهم مفتاح العلاقات والقادرون على إزالة اللبس. وهذا لا يقلل من دور مختلف القيادات من الجانبين، بل يعزز من دورهم ومن فهم كل طرف للطرف الآخر وإمكانياته.
لقد ساد نوعان من الوهم فى تلك العلاقات فى السنوات الأخيرة وبخاصة بعد ما سمى بالربيع العربى، حيث تصور بعص الصينين أن مصر ضعفت وتراجع دورها ومكانتها لذلك سارت العلاقات فى وتيرة متباطئة. أما النوع الآخر من الوهم فهو لدى بعض النخب المصرية وهو تصور أن التفاوض مع الصين مثل التفاوض مع الدول الأوروبية، وأن جذب الاستثمار مسألة سهلة، أو أن الصين لا ترغب فى الاستثمار فى مصر. غير مدركين أن الاستثمار يعتمد على ركائز مهمة، وهى مدى فائدة كل طرف من العملية الاستثمارية، واستعداد كل طرف لتقديم تسهيلات وامتيازات للطرف الآخر، أى أن العملية يجب أن تقوم على أساس النفع المتبادل. وهذه هى الرسالة التى نتوجه بها لقادة البلدين وللمسئولين على مختلف المستويات.
***
والآن نقول للرئيس الصينى باسم شعب مصر، مرحبا بكم فى أرض الفراعنة وأرض العروبة وأرض الاسلام وأرض أفريقيا، وإن زيارتكم لمصر رغم أنها تأخرت بعض الشىء، فإنها ستظل علامة فارقة ومهمة فى تطور علاقات البلدين وإصداركم وثيقة رسمية عن العلاقات الصينية العربية خير مؤشر على ما تعطونه من جدية واهتمام لزيارتكم لمصر فى جولة شرق أوسطية تشمل المملكة العربية السعودية. ونقول للقيادة المصرية وبخاصة للسادة الوزراء، لأنه لحسن الحظ الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أن يدرك أهمية الصين ومكانتها، ولذلك زارها مرتين، نقول إن الصين أصبحت دولة عملاقة لا تقل تقدما عن أية دولة غربية فى مجالات عديدة، وإن على مصر أن تقدم مقترحات مدروسة وعملية وواقعية حتى يستجيب الصينيون بسرعة، ونؤكد أنه على المسئولين المصريين إعادة النظر فى منهج التفكير وفى أسلوب التعامل والتفاوض مع الصين، وفى ضرورة أن يكون أى مشروع مدروس دراسة وافية، من حيث الجدوى الاقتصادية والمنافع المشتركة للطرفين، وهو ما تهتم به الصين.
والآن تزداد لدى الثقة فى الجانبين المصرى والصينى، أن كلا منهما أدرك أهمية وإمكانيات الطرف الآخر. ومن متابعتى لما ينشر عن مشروعات اقترحتها مصر على الجانب الصينى، أجد أنها بداية جادة، ولكنها ليست كافية. فلدى الصين خبرة كبيرة فى جانب التكنولوجيا العسكرية وفى القطارات فائقة السرعة لمسافات بعيدة وليست المسافات القصيرة التى تضمنتها بعض المقترحات المصرية، وفى المناطق الاقتصادية الخاصة التى حققت لها معجزة التنمية، ولدى مصر إمكانيات لذلك، ولهذا فإن إقامة القطار الفائق السرعة بين الإسكندرية وأسوان يعد من الضرورات، كذلك الاستفادة من تجرية المناطق التنموية الخاصة فى الصين فى تنمية منطقة قناة السويس. إن هذا يعد من الأهمية بمكان لنجاح الخطة الوطنية المصرية، كذلك تجربة الصين فى رفع مستوى معيشة الطبقات الفقيرة، وفى بناء الكوادر الخبيرة فى الإدارة والفنيين والمهنيين فى إدارة وتأهيل المصانع وهم الذين ساعدوا فى تقدم الصين وتحقيق المعجزة الاقتصادية. كذلك فى إتاحة الفرصة للشباب الذين هم أساس بناء الصين الحديثة، ومشاركة المرأة فى الصين بالغة الأهمية دون استغناء عن الخبرات الكبيرة التى لديها تجارب ورؤية خاصة فى التخطيط للمستقبل وهذا التخطيط الاستراتيجى أصبح من العلوم المهمة فى العصر الحديث، وهو الأمر الذى تحرص عليه الصين التى لا تهدر أى مورد بشرى لديها بل تستفيد منه.
***
وأهم طريق لذلك هو توعية المجتمع بأهمية وضرورة الإيمان والولاء الكامل للوطن، والحرص على العمل وإجادته وإدراك الهوية الحضارية للمجتمع وليس المفاهيم المستوردة من أية دولة أخرى، والتى أدت لتدمير البلاد وأعاقت تقدمها. فالصين تضبط الإيقاع التنموى والسياسى بقوة وحزم، وتحقق الانضباط فى أجهزة الدولة وموظفيها، وفى الإنتاج والأمن، وفى الحماية والدفاع بلا تردد فهذه قضايا بالغة الاهمية، فالاستقرار السياسى هو أساس التقدم الاقتصادى، والعمل والإنتاج هما ركيزة مهمة لبناء الوطن بمنطق المستقبل وليس بمنظور الماضى.

سفير مصر الأسبق فى الصين
محمد نعمان جلال سفير مصر الأسبق في الصين
التعليقات