‎الغبار الإلكتروني - سامح فوزي - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 8:06 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

‎الغبار الإلكتروني

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2025 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2025 - 6:45 م

‎فى أواخر التسعينيات التقيت الإمام الأكبر الراحل الدكتور سيد طنطاوى فى حديث حول فتوى أو رأى صدر آنذاك عن أحد القيادات بالأزهر، هكذا قدمته وسائل الإعلام التى نشرت رأيه، لكنى اكتشفت من خلال الحديث أن الإمام الأكبر لم يكن على معرفة به، وكان قد أفتى بعدم استعانة الأسر المسلمة بخادمة أجنبية طالما أنها غير مسلمة، على اعتبار أنها سوف تفتن النشء الصغير فى دينهم. استغرب الإمام الراحل الرأى، وسأل عن قائله، وقال لى بالنص: هل أصدر فتوى دينية فى شأن خادمة فى منزل؟ وماذا أقول عن الأسر الموسرة التى تستعين بخادمات من دول آسيوية، وبعضهم ليسوا من المسلمين، فلكل شخص الحرية فى الاستعانة بمن يشاء، وليس للدين رأى فى ذلك.
‎أظن أن هذه الآراء أو الفتاوى الدينية التى تبحث عن رأى الدين فى كل شأن فى الحياة طارئة على المجتمع المصرى الذى يتسم ببساطة التدين، وعدم المبالغة أو التعقيد فى تدينه، وهى تمثل تداعيات لآراء وأفكار مستوردة من دول أخرى، أو تعبيرًا عن حالة هوس دينى ينخرط فيه الآن لاعبو كرة وفنانون يتحدثون فى الدين، ويفتون فيه، دون أن يكون لديهم العلم والوعى اللازمين. هذا الموضوع أثاره الدكتور طارق أبوهشيمة، أحد قيادات دار الإفتاء فى جلسة مهمة عقدت مؤخرًا، ناقش فيها دراسة عن عشوائية الإفتاء، ومضاره، وأهمية مواجهته خاصة على وسائل التواصل الاجتماعى والفضائيات.
‎ومن المظاهر السلبية أيضًا التى تعج بها وسائل التواصل الاجتماعى تقريبًا فى مثل هذا الوقت من كل عام ظهور فريق من الناس يصر على إثارة السؤال القديم الجديد: هل نعيد على المسيحيين فى أعيادهم أم لا؟ ودخل على الخط هذا العام اللاعب الجزائرى أحمد القندوسى، الذى أطلق عددًا من التصريحات التى تنم عن خلاف كبير تجاه المختلفين معه دينيًا، لكنه عدل سريعًا عنها نتيجة ما واجهه من لوم وتقريع ومطالبات بترحيله.
‎لماذا كل هذا السخف؟ والذى ينتهى عادة بظهور تصريحات من مؤسسات دينية معتبرة، مثل الأزهر ودار الإفتاء، وهى ليست جديدة بالمناسبة، بل تتكرر كل عام تقطع بجواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم، واعتبار ذلك واجبًا ومكرمة.
‎أشعر بالأسى على المجتمع المصرى الذى لا يزال يطرح هذه الأسئلة، ويبحث عن إجابات عنها، ويلتمس رأيًا دينيًا فى مجاملات اجتماعية عادية. وأكثر من ذلك أشعر بالخطر لاستمرار الانفلات على وسائل التواصل الإلكترونى، التى تحولت إلى ساحة مفتوحة يتحدث فيها كل شخص عما يروق له، دون ضابط أو رابط، خاصة فى المجال الدينى الذى صار مجالاً مستباحًا للكراهية الدينية، والمساجلات العقيدية، والطعن فى عقائد الآخرين، وكأن الأزمة التى نمر بها فى الوقت الراهن دينية، فى حين أن المجتمع، مثل غيره من المجتمعات، يعج بمشكلات وتحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية. وهل من التدين فى شىء أن ننشغل بشكليات الأمور، ونترك فقراء ومحتاجين يرزحون تحت وطأة مشكلاتهم الاجتماعية والإنسانية؟
‎أظن أن الهوس الدينى مرده الأساسى هو حرص تيارات أو اتجاهات فى المجتمع على إبقاء المجتمع فى مناخ محافظ، يغرق حتى أذنيه فى أحاديث دينية شكلية، لا تمس جوهر التدين، بحيث يصبح المجتمع ذا اتجاه شكلى، يُستدعى فى مشروعات سياسية عند الطلب، وهو أمر لن يتحقق إذا كان التدين مستنيرًا، ينصب على الجوهر دون المظهر.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات