أيها المصريون.. ثقوا فى قوتكم المعنوية - بسمة قضماني - بوابة الشروق
الأحد 20 أبريل 2025 6:19 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أيها المصريون.. ثقوا فى قوتكم المعنوية

نشر فى : السبت 19 فبراير 2011 - 9:50 ص | آخر تحديث : السبت 19 فبراير 2011 - 9:50 ص
يعتبر اليوم التالى للثورة أصعب لحظة فى تاريخ أى بلد.

فمن أين تبدأون؟ وبأى طريقة ينبغى أن تتعاملوا مع مشكلاتكم؟ أنتم تحتاجون الآن إلى النظر فى كل مجال محلى يحتاج إلى إصلاحات جذرية: سياسيا، ومؤسسيا، وقانونيا، وإداريا، واجتماعيا، واقتصاديا، وماليا.. يصاب المرء بالدوار عندما يحصيها. كما بدأتم فى الوقت نفسه، تلقى رسائل من الخارج ويمكنكم بالفعل أن تستشعروا الضغط من التدخلات القادمة من الخارج. حيث تطلب منكم الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية تقديم الضمانات بشأن نواياكم تجاه جيرانكم، ونحو إسرائيل بشكل أساسى بالطبع. وهو مؤشر واضح على أن قضايا السياسة الخارجية لا يمكن تأجيلها لأنها قد تؤثر على عملية انتقال السلطة فى الداخل. وسارع قادة الفترة الانتقالية العسكريون المصريون إلى إعلان أن معاهدة كامب ديفيد للسلام سوف تحترم.

ولا شك أن هذا كان إعلانا حكيما وضروريا فى هذه المرحلة، لكننا ندرك بالفعل، أن هذا ليس كافيا لإرضاء إسرائيل، التى تطلب باستمرار مزيدا من التطمينات. والآن، حان الوقت لإظهار أن مصر بلد مختلف. ويبدأ ذلك بتفهم ما أصبحت عليه صورة هذه الثورة لدى الغرب، وثانيا، قياس مدى تدهور صورة إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية فى أنحاء العالم، وثالثا: ملء ذلك الفراغ الذى يود العالم أن يرى مصر تملؤه.

فأولا: صارت صورة مصر، بمجرد نجاحها فى الإطاحة بالرئيس، نموذجا مثاليا تقريبا فى عيون المراقبين الغربيين، لدرجة أنه بدا رومانسيا، كما لو أن البلدان الغربية التى سئمت مجتمعاتها، وجدت لتوها مبررا للأمل. وقد انحسر فجأة الخوف من ثورة إسلامية، وإن كان الكثيرون يعتقدون أن خطر وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة قائم. وقد تحول الرأى العام فى الغرب، الذى يشيد بثورتكم باعتبارها أول ثورة ديمقراطية حقيقية فى مجتمع اسلامى كبير.

ولا يستغرق الأمر سوى بضع صور قليلة فى وسائل الإعلام لتغيير التصور فى الغرب: السلوك المدنى للمتظاهرين، والمشاركة القوية للنساء، الشابات وكبيرات السن، والمقابلات الإعلامية باللغتين الإنجليزية والفرنسية التى أجراها عدة طلاب، وبالطبع مظاهر العلاقات الأخوية بين المسلمين والمسيحيين. وقام الفيس بوك ببقية المهمة.

فقد تحولت مصر فجأة من صورة مجتمع فقير ورجعى وكسول، لتصبح أمة ذات شعب ناضج وسلمى ومسئول. والآن، فزتم بهذه المعركة الأولى الحاسمة.

والشطر الثانى من المعادلة، قد لا ترونه بوضوح تام من الداخل. وهو أن العالم يشعر بالضجر من سياسة إسرائيل المتعجرفة، والتوسعية والعدوانية، وسئم حجتها الدائمة بشأن تعرضها لخطر وشيك واحتياجها للمزيد من الأمن، وشعر بالملل من انتهاكاتها للمبادئ القانونية والأخلاقية، ومن معاملتها الإجرامية لمليون ونصف المليون من الفلسطينيين فى غزة وسرقتها التى لا تقل إجراما للأراضى وبناء المستوطنات.

ولا تشعر البلدان الأوروبية التى تستطيع التأثير على إسرائيل بالضجر فحسب، وإنما الغضب والاستياء بسبب مواصلة إسرائيل تجاهل نصيحتها وتحدى تحذيراتها بتقديم الحد الأدنى من التنازلات من أجل إقامة السلام مع الإسرائيليين.

حتى إن أقوى أصدقاء إسرائيل فى أوروبا، الذين نتحاور معهم دائما، صاروا يقولون فجأة إن على إسرائيل ألا تواصل السلوك الذى تسلكه. وتضع هذه الشعوب أمن إسرائيل نصب أعينها، بيد أنها فهمت الآن أن وضعا جديدا يبزغ فى الشرق الأوسط، وأن العرب لن يستطيعوا مواصلة نفس السياسة التى كانوا يتبعونها حتى الآن مع وجود مصر ديمقراطية.

ويوضح أحد اليهود البارزين الأمر قائلا: أكبر خطأ هو مواصلة طمأنة إسرائيل، لأنكم كلما قدمتم إليها تطمينات، كلما زادت غطرستها ونزعتها التوسعية.

والسبيل الجيد هو تخويف إسرائيل. وهو ما لا يعنى التهديد العسكرى، وإنما يعنى إعادة إدخال مصر فى المعادلة الدبلوماسية الإقليمية فى الجانب الصحيح من التاريخ، لتعبئة ثقلها من أجل دعم العدالة للفلسطينيين، وأن تقول لإسرائيل لا عندما لا يناسب هذا مصالحها مستخدمة حجة أن الرأى العام لديها لن يوافق.

وهنا يأتى الجزء الثالث من الموضوع: يقول الأوروبيون بالفعل إن الغرب سيكون عليه أن يعمل مع عالم عربى سوف يزداد نزوعه القومى بمعنى أنه سوف يبنى سياساته الخارجية على المصالح القومية، ويكون أقل انصياعا. وهم لا يرون فى ذلك تهديدا، وإنما يعتبرونه رصيدا أيضا.

ويقول عدد كبير من القادة السابقين والحاليين فى أوروبا إن مصر ديمقراطية هى ما يحتاجونه لجعل صوتهم مسموعا فى إسرائيل والولايات المتحدة.

فعندما يعلنون مخاوفهم بشأن إسرائيل، يفهم الجميع أن ذلك يرجع إلى الضغط من أصدقاء إسرائيل وليس عن قناعة بأى حال.

وقد نفد صبر معظم قادة أوروبا، وهم يحذرون إسرائيل سرا أنهم لم يعودوا قادرين على مواصلة تأييد سياساتها كثيرا. وخلال السنوات الثلاث الماضية، تزايد الخطاب القاسى، والدعوات لاتخاذ سياسة أكثر حزما. والشكوى التى نسمعها هى أن الأوروبيين يشعرون أنهم يساندون إسرائيل وحدهم فى غياب أى اهتمام من البلدان العربية.

وفى الولايات المتحدة، قال أوباما أيضا إن مصر لن تعود كما كانت أبدا. وتوقع أيضا أن تصبح أقل انصياعا، ويبدو أنه يدعو لذلك. وإذا التزم قادة مصر الحاليون والمستقبليون بمبادئهم، سوف يساعدون أوباما على تنفيذ رؤيته للشرق الأوسط، ويشدون أزره فى مواجهة إسرائيل.

حيث أخذ الأوروبيون والأمريكيون يفقدون صبرهم، وهم ينتظرون جميعا أن يخرج العرب بموقف قوى، لأن الحقيقة المحزنة خلال العقدين الماضيين، لم تكن هناك مصلحة عربية فى الضغط على إسرائيل.

فرجاء أيها المصريون، عليكم أن تدركوا تماما الشعبية الهائلة والإعجاب اللذين اكتسبتموهما فى أنحاء العالم، وبين القوى الأكثر تأثيرا.

وهو ما يمنحكم قوة معنوية لم يسبق لها مثيل. فلا تدعوا أحدا يرهبكم أو يضغط عليكم. فالجميع يعلمون أن الكلمة الرئيسية خلال الثورة كانت هى الكرامة، وأن تلك الكرامة لا يمكن اكتسابها فى الداخل من دون أن يتطلع الشعب لاكتسابها فى الخارج أيضا.
بسمة قضماني  مدير مبادرة الإصلاح العربي
التعليقات